محب خيري الجمال - أضحك مثل أي إنسان عادي.. شعر

صهيل في الطابق الرابع..
الغرفة B2 تتعثر وتسقط من ثرثرة الكحول..
يوجد جهاز تنفس صناعي يكشر عن أنياب الزمن..
كُتب على بطنه المهترئ تذكروا فلان الفلاني سبتمبر 1970م
خسارة كبيرة أن أكون هنا..
لطالما زيفوا وزوروا في إرادة الوقت..
حتى وأنا استعد للرحيل يكذبون علي..
ويقولون أنني بخير..
الفيروس لا يصيب الموتى.. اطمئن
لقد فاتني مشاهدة آخر الأخبار العربية والاقليمية..
وصوتي المعلق على شريط عاجل..
لا أعرف حقا عدد القتلى في سوريا..
ولم أبحث عن يقين لتأويل ما يحدث في الصين..
مثلي كمثل معظم أهل قريتي..
ليست لنا خبرة كافية للاختباء من الموت..
لقد جروني من ياقة قميصي وطلب أحدهم الإسعاف بتأفف..
لأني رجل موبوء ولدي أحلام كثيرة عن الوطن والمرأة
والعقد النفسية..
لذلك فاتني البث المباشر لمناسك الحج والعمرة..
ورش سطح النيل بالماء المبارك..
والمشي في طريق العائلة المقدسة بقدمين من خشب ونحاس..
فاتني مشاهدة الجفاف في زاوية محددة في الشاشة الصغيرة..
لقد فاتني أن أكتب على حائط الفيس بوك اضغط هنا للمتابعة..
أو محب خيري يشعر بالمرض..
لا فائدة واحدة من الدعاء.. صدقوني..
كونوا مع الصادقين ولا تكذبوا..
أنتم لا تعرفونني.. إنه عالمكم الأزرق المخجل..
لقد مات الكثير من الأصدقاء في الحرب..
راح الكثير من الأحبة في الأوبئة والأمراض المزمنة والإدمان..
وظل السوق مفتوحا لتهريب كل البضائع والأنفس..
ندوس زر التشغيل ونكتب مدينة ما تحترق..
البقاء لله وحده..
مات من مات وعاش من عاش..
هكذا الدنيا وكل من عليها فان..
هأنذا وحدي..
أكتب وأمزق حلقي بالطين والوحل..
وريق الحنان..
أكتب النص الرخو المثقل بالأوجاع والمنافي..
وأنا في تمام الرضا والصبر الجميل..
أصفف أنفاسي المتلاحقة بأعواد الثقاب المتخمة بالتعب الطيب..
أعيد أوهامي أمامي وأداويها بالسهر والصلاة
والبلاد التائهة في رماد المآسي..
أمشي للخلف كنعش ضل الوصول..
أوزع من حياتي القصيرة الصدقات والمشاهد الحية..
بسكين لامع أقشر صوف الضوء من المكان الكئيب..
أقطع مئات الكيلو مترات بالمشارط والفؤوس والنبال
لإصلاح البيوت من أزيز الرئة..
أُجر كأي كلب ذليل من رقبته بلا رحمة..
يحكي عن غزوة جديدة تنتف قلب ليبيا من العمق..
ماذا يحدث في مالي أيها المرضى أصحاب الفقر والبطالة؟
ما هي خطة مليشيات حسن نصرالله وحركة أمل في شوارع بيروت..
لماذا يتسابق كل هؤلاء في خطف وظيفة الموت..
وحدي أيضا أبصر الذهول والغفلة القاتلة..
أصابعي المرتعشة من الطبيب المناوب..
لم يخبروني من قبل عن انقراض آخر فصيلة نادرة من الحياة في حديقة الحيوان والطبيعة..
عن تطور حياة الدودة من الفيضان للجفاف..
فاتني مشاهدة حرائق الغابات وتنبؤات بابا فانجا..
وقصة الرجل الأسود..
وفذلكة برامج التوك شو..
والمغامرة مع البنات المراهقات في سباق مفتوح
عن أطول قبلة..
بخبرة رجل يتأرجح ما بين الشيخوخة والكهولة..
أفضل دائما أن اكون حكما وفي جيبي صفارة
و45 عاما من الصمت والضحك العادي..
أنا في إجازة مفتوحة من الحياة يقول قائد العمل..
همس في أذني كدب قطبي..
أنت بطئ الفهم وأعمى وقليل الأدب..
كل من هم في سنك وتشغلهم عطور النساء وملابسهن الداخلية والقصائد إلي لا شيء..
حسنا..
هأنذا وحدي في غرفة باردة تؤنس وحدتها الرطوبة والفئران..
وضحكات الممرضات في المبني المقابل لخيبتي المعروفة..
فقط..
ترحمت على عبدالناصر وشتمت رفقاء السوء..
وقلت من الجيد أن أتعرف على الموت وأقترب منه
وأتحسس جسده المخيف..
لعلي أجد نقطة للتفتيش عن نواياه تجاه رئتي الذابلة لتنجو أو ينجو هو...
أنا الآن أتلذذ وأستمتع به..
أحاوره وأداعب رموشه الطويلة..
أنكش شعر رأسه الضخم للوراء..
نلعب ملك وكتابة على ورك الشيز لونج..
نرتب بضائعنا الثمينة..
نتفق ونتناقش بهدوء..
لا بد من وجود حبكة درامية جديدة للحكاية..
الموت بهذه الطريقة ممل ولا يشبع فم عصفور..
لا أريد أن يقال مات بعد صراع طويل مع المرض..
أنا لا أحب الهرج والمرج في وضع النهاية..
ولا يمكنني شراء ساعة من دكان الحياة..
لا قوة استثمرها معه..
نستمع لفيلم وثائقي في قناة ناشيونال جيوجرافيك عن الأطباق الطائرة والإبادة الجماعية لعشيرة ما في العالم..
نملأ الفراغات بيننا بالحديث عن الحرب في إفريقيا..
عن ألغاز وحكايات في أحشاء النهر..
سيفضخها سد النهضة الأثيوبي..
أخبره بأنه عملة نادرة وعليه أن يدقق في مغزى الحرمان والخرائب..
وأن يمنحني القدرة التنافسية على أن أكون ندا له..
ان يجد حلولا للخروج من الازمة ورميها في صفيحة النفايات..
وأن يخبرني عن الخلطة السحرية للخلود..
وأن أخبره بصدق عن أول عناق حارق..
عن أول قبلة مسيله للأعصاب في فناء المدرسة..
وأول ضربة حذاء في رأس فكرة الجنس..
وهأنذا أضحك مثل أي إنسان عادي..
تتسع عيوني وتضيق بفطرة وفيرة..
نبشت طويلا في جسدي دون فائدة
نبشته بإبرة شبرا.. شبرا بأحجار مدببة وقاسية..
كدابة طيبة طوفت به العالم..
أكلت لحمه وعظامه في ساحات الجري خلف المعجزة..
بكلمات حنونة عن فصول الحب علمته ترتيب الأغاني..
وقرص صدغ اللغة بماء طوباوي..
قلت له: لا تصدق الشعراء
الأشجار أيضا قابلة للاحتراق والكسر والتحلل مثلها مثل القصائد تمسدها العاصفة من الأمد..
لا قاعدة للموت.. اضحك في سرك
لا أحد هنا يصفق لك سوى الموت..
هو المسموح له وحده بالتقبيل والمصافحة الحرة..
أنا مستعد للهزيمة أيها الموت..
فقط أغسل وجهي أولا من لطم الأيام..
وكهنوت التوحد بك..
اتخذه كدعابة أو امرأة من الذكريات..
وتذكر.. الرجال لا يبكون وإلا صاروا مقبرة..
دعني أجمع أغراضي من النهر..
خطواتي اليابسة من الشوارع القديمة..
صوري من غرفة النوم وأقراص المراوغة..
وبقايا أحمر الشفاه من سطح المرآه..
دعني أفتش في سروال الذكريات
عن أمنية تصلح لكتابة وصية أخيرة..
يقول طبيب الطوارئ: الآن فقط..
فقد جسده القدرة على التمثيل..
هنا وحدي..
قرّاء القرآن..
أصوات البكاء المكتومة..
أدعية وأذكار وحلوق جافة ومرة كحطب القطن..
حامل المحاليل المنتصب كقناص أو قاطع طريق مُبتدئ..
ليست له أم تبكي عليه في الليالي الطويلة..
الملاءات التي ملت شكوى الظهر..
شكوى الوقت المائع..
عرقي الذي يزبل بوفرة..
جسدي كحجر أملس يغلي في أفران لا تكل ولا تمل من الاشتعال..
رأسي الذي يقفز كبهلوان بكل حيلة..
يخبط رأسه في جدران الوحدة..
ويصرخ من فوق جبال تتحطم فيه..
أريد أن أنام وأضحك مثل أي إنسان عادي..
السماء بيضاء.. بيضاء وأنا أطير وأفرد قلبي كيمام أخضر
لا يعترضه حاجز أو شبكة صياد..
أصرخ أين ملائكة الرب..
أين الجنة والنعيم المعد من قبل للذين يحبون الله..
لا أبواب هنا لأصافح أخي رضوان..
ولم أمشي على الصراط ليلوح لي الأنبياء والشهداء..
ويباركون قدومي النوراني..
أين الجحيم الأبدي والنار والكبريت..
في الصباح الباكر استعيد ما رأيته
لا شيء..
كل ما هنالك ظلام دامس وعراء واسع.. واسع جدا..
وكانيولا لا تشبع رغبة شاعر في قول الحقيقة..
كم وظيفة للسعال أمام الكاميرا..؟
ما الفرق بين أجهزة قياس الحرارة والنبض
و التفكير الإبداعي عن المستقبل..
ثمة علاقة بين سيولة الدم والأوراق المالية
والحب والرفت من العمل..
والندم الذي لا يقدم ولا يأخر
بعد ضياع الفرصة الوحيدة
للنجاة بنفسه من صقيع التفكير في الغد..
يقول الباب للنافذة الفيروس خدعة..
الباب المغلق منذ أسبوعين وثلاثة أيام..
مقبضه يحترق من نظرة الأصابع..
أني اختنق..
تجربة زرقاء ومريرة نقولها في السوق..
نقولها مع قصف المنازل والحدائق..
يقولها حمار جدي الأسود في الحقل..
تقولها القصيدة على الأرفف..
يقولها الدم في المختبر..
تقولها امرأة على سرير مرتفع وبارد..
تقولها الثقوب لجيوب الغيم..
تقولها الحنجرة للمنشدين
والقلب الضال للسماء..
يقولها شال أمي الوحيد في الخزانة للأكواخ والأشجار
والأواني المهجورة..
يقولها عام 2020 للأعوام الفائتة والقادمة..
تقولها شاعرة تحوك الرغبة مع قمصانها الملونة..
تقولها العملة الصدئة لحافظة الغدر والخديعة..
والصلع الوراثي في عمر العشرين..
وشيخوخة الوطن في جبهتي على سبيل التعريف..
الرمال والإسمنت والحجارة لماكينات الطوب..
الشروخ والحفر الواسعة في الحوائط
والحوائط لأبواب التاريخ..
الحب الذي ينضج في الأزمات تحت الكباري
والحارات الفقيرة..
تقولها استدارة النهد لسوتيان مشقوق..
وحواف النهر للجسور..
الأودية والسهول للجبال..
إني أختنق..
يقولها صاحبي.. الفيروس يقتل الفقراء..
يمشي معهم في الطرقات..
وجبتهم من الجنائز والمواويل الحزينة..
يقولها السجين لأربعة جدران قصيرة..
والرصاصة الأخيرة لجندي في سوق القتال..
القصائد الطويلة لضفائر التشهي..
يقولها اللاجئ للبحر..
تقولها العظام لنابش القبر..
تقولها الحمى في العروق..
يقولها خيال المآته للعصافير..
تقولها الأسماك لشبكة الصياد..
يقولها الوطن لأفراد الأمن والحراسة..
تقولها رصاصة الغدر لرأس القتيل..
والحيلة لأصاحب المكيدة..
وسوء الحظ للصدفة..
الموسيقى للسخط في الأغاني الوطنية..
لسبع حواس مفقودة تماما من حولي..
إني أختنق..
تقولها أدوات التعقيم للمشارط والسكاكين
والأباتشي لأشلاء الأطفال في المقاهي الليلية..
الليالي التي تقلب المواجع بعصى العتمة..
العتبة الحزينة للأطراف المبتورة..
والوخز في القلب للخطأ في تناول جرعة من الحب..
المناجل والسيوف لنطفة الطين والدم في رفع القربان..
أختنق.. أختنق
لأننا ابناء قاتل واحد اسمه قابيل..
نحن ابناء الغواية أيها الموت..
مات هابيل عمي والقاتل أبي..
أبي الذي علمه الغراب..
يترك جثتي معلقة على حبال الحيرة..
للذباب والصقور وتجار الخردة..
أنا أيضا أختنق.. أختنق
لأني أخسر كل معركة مع الحياة..
وأموت وكل أمنيتي
أن تبقى السيجارة بين أصابعي مشتعلة..
ولا أكتب على بطن جهاز تنفس صناعي مهترئ..
تذكروا فلان الفلاني يونيو 2020 م
وأضحك كأي إنسان عادي...
مثل أي إنسان عادي أضحك،،

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى