د. مصطفى الضبع - اسمها.. قصة قصيرة

متآلفين عشنا قرابة نصف القرن ، لا أدري كيف تآلفنا كل هذه الألفة التي تليق بها أكثر مما تليق بي، فكثيرا ماحاولت التمرد عليها لكنها كانت تعرف كيف تعيدني إلى مجالها الحيوي ،وأنا أشكو قليلا وألتزم الصمت طويلا بصورة تجعلها تفكر أكثر من مرة أن تغادرني لكنها لا تفعل.
حين التقيتها للمرة الأولى كنت غضا لا أعرف عن الحياة الكثير، تولت تعليمي قدرا من شغف الكائنات إلى الراحة، ومن قدرة الآدميين على تحمل الألم، ومن شعور الحامل وطنه في قلبه مبتعدا للحاق بأحلامه.
أغوتني بأنوثتها يوم افتقدت معنى الأنوثة، وتولت تدريبي على الألم، حتى ألم الانغماس فيها ومحاولاتي الدائمة (الفاشلة) للفكاك منها، كدت يوما أصرخ في وجهها : لم تلتصق أنثى بي قدر التصاقك المريب ، لكني عجزت عن النطق حين شعرت بالرعب أن تكون قدري الذي لا يجب أن أثور عليه.
حاولت أمي رحمها الله أن تدربني على تقبلها بشكل من الأشكال، وكانت دوما تنصحني بمهادنتها كيلا تتحول إلى ناشز تعكر ما يجب أن يكون صافيا من أيامي.
في لحظات التوافق كان يحلو لها أن تمارس بعض ألعابها التي أراها مملة حد الاقتراب من إزهاق الروح، لعبة واحدة لا تعرف سواها: تقول لي اكتب اسمي واحذف علامة التأنيث فأكون اتجاهك، واحذف الحرف الأول فأكون اسما من أسماء الإله، كنت أنصاع لها فيغالبني النوم في منتصف الشجن.
حاولت الاعتراف لها إنني لم أشتهها يوما ولم أفكر في الاقتران بها، لكنها حرصت أن تكون قرينتي التي لا يراها سواي، المقربون فقط كانوا يدركون أحيانا علاماتها في ملامحي، صمتها في يقيني غير المعلن.
يوما سألتني عندما لا أكون معك بم تتذكرني: ابتسمت بسخرية، فانطلقت في وصلة عتاب: عن الشعراء الذين خلدوها، والروائيين الذين كتبوا عنها، والفلاسفة الذين أفنوا حياتهم في تأويلها وتحليل مقوماتها، ثم تنهي وصلتها بسؤالها الدائم: لماذا لا تكتب عني؟.
أسر لي صديق أنني لو كتبت عنها ستفرح وربما تتركك إلى حين.
اليوم جهزت كمية لا بأس بها من الأوراق، وبدا اسمها شهيا على غير العادة حين رحت أجرب حروفه على الصفحة البيضاء: غُــــــــــــــــــــــــــــربة.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى