نسرين المسعودي - أمَّا أنا فأحببتُ اسمي..

أمَّا أنا
فأحببتُ اسميَ منذ الطفولةِ
وحفظتُهُ في ظُلمةِ الرَّحمِ
كي لا يَغرقَ!
أحببتُ جسديَ المُتعَبَ
من الرَّكْضِ واللَّعِبِ في الغُروبِ!
أحببتُ أَضْلُعِيَ حينَ تطرقُ قلبيَ
في هُرُوبٍ شَهِيٍّ
من حَفِيفِ ما جمعتُ!
همساتُ الأثاثِ
صدى الجُدرانِ
صفيرُ الرِّيحِ حينَ تعزفُ اسميَ
قواريرُ الجَعَّةِ
المُكتَظَّةُ بالأنينِ فوقَ الرَّصيفِ
أصابعُ الأرواحِ
المُلَوِّحَةُ من خَلْفِ زجاجِ الحاناتِ
الأسطواناتُ القديمة
التي كانت تنبعثُ من الأريكةِ
تحتَ أردافيَ الطَّرِيَّةِ
الصَّوتُ الدافئ الذي كان يملأُ اللَّيلَ
أحببت الخَشَبِ الأَملس:
سميته وطنٌي !
وجدته مُتَفَانٍ برِقَّةٍ
وقسوةٍ ولطفٍ وعنفٍ!
مدينة العشقَ الفوضويَّ
سميتها غربتي
عانَقتُ
الأسِرَّةِ!
والمَنَاضِدِ
والإطاراتِ المُتَكَسِّرَةِ!
عشَتُ الذُعْرٍ
بينَ الحقيقةِ والخَيالِ!
أيعرِفُ أحدَكُمْ مَا يُوجدُ في جَوْفِ الخَشَبِ؟
إنهم نساءٌ وأطفالٌ وشُيُوخٌ مُتعَبونَ
احمرَّتْ جُلودُهُمْ
من شُعاعِ الشَّمسِ وغضبِ الفُصُولِ!
إنها أجسادٌ تتعرَّى في غاباتِ اللَّوْزِ
وَشَجَرِ البَلُّوطِ
وشذى الكالابتوسِ
ذاكرةٌ تَتَعَطَّشُ
لنافورةٍ
من الدَّمعِ المُضِيءِ!!
أُمَّهَات فَقَدْن أَبْنَاءَهُنَّ!
يُغَنِّيْنَ ويَعْزِفْنَ
يبكين كلَّ مساءٍ!!!
في شَفَقٍ مُشْفِقٍ حزينٍ!!
هذا الوجعُ الدَّفينُ
فَوْقَ
ضَفَائِرِيَ الذَّهَبِيَّةِ!
ورِحْلَتِيَ
الطَّويلةِ!
أحببت الخشب الأملس
و أعواد الثقاب
و أحرقت صَدرِيَ برسائلُ لم تُقْرَأْ!
أحقا للنِّساءِ جُِذوعٌ وأوراقٌ وثِمارٌ؟!
أحقا للرّوحِ أصَابعَ من ماء؟!
تَطْرُقُ أظافريَ أبوابَ الخَزائنِ
تُنَقِّرُ فَوْقَ الطَّاولاتِ
تُخَرْبِشُ بالسَّكاكِينِ والمَلاَعِقِ
أُقَطِّعُ البَصَلَ
أذرفَ الدموعَ وأحتسيَ النَّبيذَ!
أُوقِظُهُنَّ من السُّباتِ
أُعَطِّرُ الغُرَفَ بالخُزامَىٰ
وأعوادِ القِرْفَةِ
أُمَشِّطُ شَعْرَهُنَّ الأَسْوَدَ
أفُكُّ حِنطَةَ الطيورِ من أعناقِهِنَّ
أَدُسُّ في الأركانِ روائحَ العطرِ
والزُّيُوتِ
أخشى أن تَتَسَرَّبَ
روائحُ البَرْدِ في بيتيَ
أن تبتلعَنِيَ أصواتُهُنَّ!
أَحبٍبت كُلَّ شَيْءٍ
صامتٍ!
أخرسَ!
مذكورًا كان أو مَنْسِيًّا!
دافئًا كان أو نُحَاسِيًّا
أحبّبت
السَّتائرُ والفناجينُ والمصابيحُ
والسِّلالُ والأقراطُ اليتيمةُ!!!!!
أحبّبت
السُّقُوفُ الخَاويةُ
الرسائلُ الشَّاحبةُ
الهدايا و قواريرُ العطرِ الكلاسيكيةُ
الأكياسُ المُمَزَّقَةُو الأوراقُ المُتَنَاثِرَةُ
بابُ المِذياعِ المخلوعُ
و حقائبُ السفر!!
أحببتُ كلَّ شيءٍ!
كلَّ فَمٍ
اقْتَلَعَ لِسَانَهُ! أسنانَهُ! مَخَالِبَهُ!
ثُمَّ قَضَمَ ذاكرةَ الحديثِ!
وَنَسَيَ كيفَ تُرصَفُ الحروفُ؟!
وكيفَ تُوْلَدُ اللُّغَةُ؟!
أحببتُ الفَنَاءِ!
دونَ وعي!
دونَ حزنٍ!
دونَ خوفٍ!
و علَّمْتُ قلبيَ المُوَاسَاةَ!
كي لا أحتاجُ فُرشَاةَ تَجمِيلٍ!
كي لا ينفلتْ من العَرَقِ
موج من الشَّعرِ الأزرقُ
كي لا أركض بعيدا في المدى
أخلص للخَشَبِ!
أسميه وطني
و أكتب اسمي .

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى