جمال نيازي - في توثيق ما جرى بالأمس

تواصلت عمليات التنقيب
في غرفتي القديمة
في أقصى منزلي المهجور
كأنني قد عثرت بالأمس فقط
على أنقاضها وسط ركام الذكريات
في مكتبتي المصنوعة من خشب البامبو
"شرائط كاسيت" كثيرة جداً
تذكرت جدتي حين كانت تحكي لنا
عن اسطوانات الجرامافون
و نظن أنها قد فقدت نصف عقلها
لا شئ على وجه الأرض
إسمه "جرامافون"
و اليوم سألقى نفس المصير
ستظنني ابنتي فاقداً نصف عقلي
فلا شئ على وجه الأرض اليوم
إسمه "شريط كاسيت"
تذكرت ولعي القديم بفيروز
انتظرت حتى شاب شعري
لأعرف أن "حبيتك بالصيف"
مسروقة الألحان
و أن "سألوني الناس"
كانت عن غياب الرحباني الكبير
في مرضه الأخير
و أن "سكن الليل"
أفلتت من الأخوين إلى عبد الوهاب
انتظرت حتى شاب شعري
لأعرف أن الحب
قد حُكم عليه بالحبس الأبدي
في "شرائط الكاسيت"
و لم تستطع الاسطوانات المدمجة
أن تسحقه بين صخبها المدمج
و موسيقاها المعدنية
..
في زاوية مكتبتي
"روايات رومانسية للجيب"
على غلاف كل كتاب
رجل و إمرأة
يتبادلان نظرة إعجاب
و بينهما وردة
و من بعيد
عينان تلتمعان بالشر و المكيدة
تعلمك قبل أن تقرأ القصيدة
أن نصر الحب و الخير محتم
و أن الشر مهزوم لا محالة
رسالة الروايات و القصائد
محلها الجيوب
ستظنني ابنتي فاقداً النصف الآخر من عقلي
إذا ما أعطيتها إحدى هذه الروايات
أو قصيدة كتبتها في زمن بعيد
أو أخبرتها أن ثمة مخلوق منقرض
إسمه الحب
كان ينتصر قديماً في كل المعارك
هكذا أخبرتنا كتب التاريخ
و شاشات السينما
و أغنيات فيروز
لكنه الآن حبيس مكتبتي المهملة
في ركن غرفتي المتهالكة
تحت أنقاض الذكريات
أزورها وحدي
مخفياً نصف وجهي
أحمل ما يمكن إنقاذه
من عقلي المفقود..

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى