عمار نعمه جابر - مسرحية ( أزيز)

( الأول والثاني يهمسان لبعضهما )
الاول : هيا تكلم ، لماذا لا تقول حوارك !
الثاني : أنا !
الاول : نعم انت ، ألا ترى أنه لا يوجد أحد غيرنا هنا ، تكلم .
الثاني : أتكلم ، ماذا تريدني أن أقول ؟
الاول : ماذا دهاك ، قل حوارك .
الثاني : أي حوار ، لا ادري ما لذي يجري هنا !
الاول : لا تقل لي أنك لا ترى اننا نقف على المسرح ، وأنك يجب ان تنطق حوارك حالا ، لان الجمهور يشاهدنا .
الثاني : نحن على المسرح ! ما لذي جاء بي الى هنا !
الاول : هيا تكلم بسرعة ، الجمهور ينظر الينا .
الثاني : ولكنني لا اعرف ما يجب أن اقول .
الاول : ماذا دهاك ! هيا تكلم بسرعة .
الثاني : يا سيدي أنا لا أعرف أصلا ، ما لذي جاء بي الى هنا ، أنا لا ادري كيف وصلت هنا !
الاول : هل جننت ، الا ترى ، نحن كلانا ، أنا وأنت ، نشترك في عرض مسرحي واحد، وقد بدأ الان !
الثاني : أقسم لك أنني لم أعرف ذلك الا منك الآن .
الاول : يا الهي ! من المؤكد أنك فقدت عقلك ، لا تقف هكذا قل أي شيء .
الثاني : افهمني ارجوك ، أنا فتحت عيني الان ، ووجدتك في وجهي ، لا اعرف من أنا ، ولا من أين جئت ، فجأة وجدت نفسي هنا .
الاول : يجب عليك الان أن تبدأ العرض فورا ، الجمهور ينتظر .
الثاني : ، أنا لست على ما يرام يا سيدي ، أنا لا استوعب ما هو الموضوع الذي حُشرت فيه هنا ، ومن حشرني ، ولماذا ؟
الاول : حاول فقط ان تملأ مكانك ، املأ المكان بالفعل ، افعل أي شيء يخطر في بالك . .
الثاني : أفعل ماذا ؟ لمّح لي فقط ، ضعني في صورة ما يجري هنا .
الاول : حسنا ، لقد فتحت الستارة قبل قليل ، إنها بداية الحكاية .
الثاني : البداية ، حسنا ( يبدأ بالبكاء بصوت واطئ ، ثم يرفع صوته شيئا فشيئا ، حتى يصبح صراخا )
الاول : ( مع الجمهور ) النشيج الاول ، شهقتنا الاولى ، هل هي رفض المجيء ، أم الاحتجاج بصوت عال .. أم تراه حزنا ، لما سيجري لنا لاحقا !
( الثاني مرة يبكي مثل الطفل ، ومرة يبكي مثل شخص بالغ )
الاول : كل شيء حولنا ، مبهم ، لا ندرك الاشياء ولا الاشخاص ، ولا الاحداث ..
( الثاني يزيد من حدة الصراخ )
الاول : لا ندرك اين يجري العرض ، لا مكانه ، ولا زمانه ، بل ولا نعرف حتى ماهية الجمهور من حولنا ، بشرا ، وحوشا ، حيوانات !
الثاني : ( يصمت ، يهمس مع الاول ) هل تقصد انك مثلي ، لا تعرف ما يجري !
الاول : ( يهمس مع الثاني ) لا تتوقف عن الحركة والايماءات ، واصل العرض ، لا يجب أن يهبط إيقاع عرضك المسرحي ( يلتصق بالثاني ) نعم ، أنا مثلك تماما .
( الأول والثاني ، يتحركان في المكان بحركة تعبيرية تشير الى مواصلتهم الحياة )
الثاني : ( يهمس مع الأول ) ومتى جئت الى هنا ؟
الأول : جئت قبلك ببرهة فقط ، وأنا مثلك تماما ، لا اعرف ما لذي يحدث هنا .
الثاني : اذن ، لماذا تطلب مني أن اقول حواري ؟
الاول : وجدتنا كلينا نقف هنا ، على هذا المسرح ، فتوقعت أننا ممثلين في عرض مسرحي . وحين شاهدت الستارة ترتفع ، ورأيت الجمهور من حولنا ، عرفت فورا انه ينتظر أن نؤدي دورنا أمامه .
الثاني : ولماذا نحن بالذات !
الأول : صدقني ، لا أدري .
الثاني : ماذا يراد منا ، ما هو دورنا هنا ، على هذه الخشبة الخاوية ؟
الأول : لا أملك أدنى فكرة .
الثاني : حسنا ، ولكن ربما قد يحدث ، أن هذا الجمهور ، لا يفهم لغتنا ، ربما هو يتحدث لغة أخرى .
الاول : لا نملك خيارات اخرى في اللغة ، نحاول ان نقرب لهم الامر ، الفعل الذي نقوم به الآن ، ربما سيجعل صورة المشهد أوضح لديهم ، ويفهمون المغزى من وجودنا هنا .
الثاني : ربما يكون الجمهور من ثقافة تختلف ، أو من قارة بعيدة ، أو حتى من كوكب آخر ، سيدي ، ماذا لو كان الجمهور كائنات فضائية من مجرة أخرى ، أو كون مجاور ؟
الأول : لا شيء مؤكد في صالة الجمهور ، ولا حتى هنا على خشبة المسرح .
الثاني : ( لحظة صمت ) ولكن ! هذا أنا ، هنا ، الآن . وهذا أنت ، هنا ، الآن ، هذا هو الشيء الوحيد المؤكد الآن .
الأول : ( لحظة صمت ) ومن نحن ، ما ماضينا ، ما حاضرنا . مجرد كائنات لا محددة ، وجدنا أنفسنا وجها لوجه مع بعضنا ، ومع الجمهور ، بلا تخطيط مسبق منا .
( يشتبكان في حركة جسد واحدة ، تحت بقعة الضوء )
الثاني : ( يهمس للأول ) لا استطيع أن أدرك بأي أسلوب يجب أن نفكر !
الأول : إنها المحاولة ، المحاولة فقط للبقاء على قيد الحياة ، فوق خشبة المسرح .
الثاني : ولكننا غير قادرين على فهم ومعرفة ، تفاصيل الحكاية هنا ؟
الأول : في البدء ، دعنا نتفق كلينا ، أن ما يجري الان ، هو عرضنا نحن .
الثاني : عرضنا !
الأول : نعم، يجب أن نفترض أن الجمهور الذي حولنا ، لا يعرف الحكاية أيضا ، فهو لم يشاهدنا سابقا.
الثاني : هل أفهم أننا نحن من يجب أن يختار الحكاية ؟
الأول : نعم ، ونحن من يختار شكل شخوصها ، واماكنها ، والاحداث التي فيها .
الثاني : ممتاز جدا ، بداية أكثر من رائعة ، حتما ستكون خياراتنا في بناء تفاصيل الحكاية كبيرة .
الأول : من قال ذلك ؟
الثاني : أنت قلت ذلك الآن !
الأول : خياراتنا ليست بهذا الحجم ابدا ، نحن محكومون بالآخرين ، فعيون الجمهور سلطة علينا ، وأذواقهم هي الأخرى سلطة علينا ، بل حتى ردود أفعالهم سلطة تتحكم فينا .
الثاني : ولماذا قد تتحكم فينا سلطتهم ، وكل الحكاية بين أيدينا ، نحن من يرويها على الخشبة ؟
الأول : حكاياتنا ليست ملكنا ، هذا وهم كبير ، إنهم حولنا ، يفرضون علينا حدود الحكايات ، ويشكلون تفاصيل ما لا يجب أن يقال ، والممنوع والمحرم والعيب فيها . ويتدخلون في طقوس ما نمارسه فيها ، وشتى التفاصيل .
الثاني : ولكن الجمهور في الصالة ، يجلسون هناك بصمت ، عيونهم فقط هي التي ترمش !
الأول : ظاهر الامر أننا نملك كل الحكاية على الخشبة ، ولكن باطنها ، هم من يكتبون الحكاية ، حتى النهاية !
( الثاني ، يهم بالخروج )
الأول : ماذا تفعل !
الثاني : لا أرغب في إكمال هذا العرض المسرحي الساذج .
الأول : سيتلبسك العار اذا لم تكمل عرضك المسرحي ، نحن جميعا لا نستطيع أن نغادر قبل أن نكمل حكايانا ، هكذا تكون قوانين اللعب .
الثاني : ولكنها ليست حكايانا ، فأنت تقول أنهم يتحكمون في كل التفاصيل فيها .
الأول : لا خيار أمامنا سوى مواصلة العرض أمام عيونهم .
( يدوران مثل المغزل ، على يمين وشمال المسرح )
الأول : ( بصوت عال ) حزني عليك وانت تقود خطاك بعيدا .
الثاني : ( بصوت عال ) حزني عليك وانت تحاول فك الاحجية .
الأول : لا مبرر لمقاومة حركة الأشياء ، إنها تدور وتدور ، دون توقف .
الثاني : لا بد من أن يقوم أحدنا ، بوضع العصا في الدولاب ، ليتوقف كل هذا الدوران الفاحش .
( يسقط الأول والثاني على الأرض )
الأول : الحكاية قد بدأت !
الثاني : الكارثة قد بدأت !
الأول : لا خيار لنا في ذلك .
الثاني : ماذا لو حاولنا أن نبدأها من جديد .
الأول : لقد فات على البداية الكثير ، كثير جدا . كيف نعود للحظة ما قبل العرض من جديد !
الثاني : ( يقف أمام الجمهور ) بسيطة ، ننهي هذا العرض الباهت .
الأول : هل تريد منا أن نقدم على الانتحار ، نقتل انفسنا في وسط العرض !
الثاني : كلا ، بل نصنع بداية جديدة .
الأول : هل تعتقد أن ذلك ممكن ؟
الثاني : نعم ، سنصنع لنا بداية خاصة بنا .
الأول : كيف ذلك ؟
الثاني : سنغلق الستارة .
الأول : ماذا !
الثاني : تعال معي تحرك ، سنغلق هذه الستارة ، ونقدم عرضنا المسرحي ، بستار مغلق .
( الأول والثاني يغلقان الستارة ، ويواصلان عرضهما المسرحي )

  • ستار –
  • تركيا - سامسون
  • 30/5/2020

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى