حاميد اليوسفي - لكلّ ساعة ملائكتها.. قصة قصيرة

جلس حميدة وزوجته فاطمة في الصالون ، يتناولان الشاي ، ويتبادلان الحديث حول كورونا . تملكهما الخوف من ظهور دراسات وفيديوهات لا تبشر بخير حول انتشار كورونا في البلد .
تساءل حميدة بقلق ، وهو ينتابه الشك مما ينشر في وسائل التواصل الاجتماعي:
ـ هل يمكن أن يتطور انتشار المرض ويرتفع عدد الوفيات بشكل مخيف كما تدعي بعض المنشورات التي نتوصل بها هذه الأيام في وسائل التواصل الاجتماعي؟
أجابت فاطمة بتوجس :
والله لا أعرف ، لكن كل المؤشرات ، الله يحفظ ، تؤيد ذلك . انهيار المنظومة الصحية بعد ارتفاع عدد الإصابات بشكل مهول . ما كان يسجل في ثلاثة أسابيع أو في شهر ، أصبح يسجل أكثر منه في اليوم الواحد . انهيار الاقتصاد وتفشي البطالة في بلد أغلب سكانه فقراء .
كيف حدث ذلك ؟ قالوا بأن الوضع الصحي هش في البلد . فطلبوا منا أن نجلس في بيوتنا شهرين ، فجلسنا . البعض منا لم يجد حتى ما يأكل . أحدثوا صندوقا للدعم ساهم فيه حتى المعدمون منا . رموا بالفتات منه لبعض المحتاجين وغير المحتاجين لمدة شهرين ونصف ، ثم توقف كل شيء . لم يطمئنوا أحدا على طريقة صرف أمواله.
قالوا لنا تباعدوا والبسوا الكمامات واغسلوا أيديكم ، فلبسنا الكمامات ، وغسلنا الأيدي ، وتباعدنا قدر الإمكان ، ونحن شعب عاطفي يحب الزحام ، ويحب أن يتحدث ، وهو متكئ على بعضه البعض.
منعونا من السفر ، ولم يمنعوا عيد الأضحى ، وهم يعرفون بأن الكثير منا لا يستطيع في مثل هذا العيد أن يُعيّد وحيدا وبعيدا عن الأهل والأحباب حتى ولو قامت القيامة.
أخطر ما في الأمر هو فقدان الثقة . لم يعد أحد يصدقهم . يكذبون علينا في الصباح وتفضحهم الوقائع في منتصف النهار.
في أوج الأزمة ، يحشرون الناس في بعض الأحياء ويمنعونهم من الخروج من غير أن يقدموا أي دعم لفقرائهم . الناس تموت من أجل لقمة العيش . انظر ما حدث في دوار الحاجة بحي التقدم في العاصمة ! فقد بدا أن وباء الجوع عند الناس أخطر من وباء كورونا.
وضع حميدة الكأس فوق المائدة وقال:
ـ بالأمس فرعوا رؤوسنا بأن أوروبا كلها تحسدنا فقط لأنهم قرروا صنع الكمامات محليا وتوزيعها بأثمان في متناول الجميع ، وأرسلوا الطائرات محملة بأطنان من الأدوية والأجهزة الطبية إلى بلدان إفريقيا ، فصفقنا لذلك ، وجعلونا نصدق بأننا شعب خلاق ومبدع ويتوفر على كل الإمكانيات لمواجهة الوباء .
ردت فاطمة بعد أن تناولت الشاي:
ـ قال له : ماذا ينقصك أيها العريان ؟ قال : خاتم يا مولاي !
هل رأيت ما حدث لمراكش ؟ لقد تركوا المدينة تموت وحيدة . لا مستشفيات مجهزة ، ولا موارد بشرية كافية ولا أدوية في الصيدليات . الناس لا تجد ما تأكل ، وتبيع أعز ما تملك . كورونا عرّى كل شيء . بالأمس مررت من ساحة جامع الفنا ، وجدتها مثل أرملة تذرف الدموع على قبر زوجها ، وتشكو له ما فعل بها الزمان بعده ، وكيف تحرش بها القريب والبعيد . كل شيء توقف . حالتها تشفي الأعداء . لم يسبق لي أن شاهدت الساحة على هذه الحال ، كأن الوباء أصاب البشر والحجر . كل شيء مقفل ومعدم ، لا بشر ولا أكشاك ولا دكاكين ولا حلقات .
وغير بعيد من الساحة ، بعض البازارات الصغيرة تحولت إلى دكاكين لبيع الخضر.
الساحة التي كانت زينة المدينة ، أصبحت تُغني عن حال الباقي .
خوفي من القادم من الأيام ، وما تخفيه من مفاجآت قد تكون مؤلمة ومحزنة . هؤلاء الناس الذين يسيرون البلد لا يفكرون سوى في أنفسهم ومصالحهم . لا يخرجون من مكاتبهم حتى تقع الفأس في الرأس . يؤدون دورا رديئا في مسلسل رديء ، لا يقنعون به حتى الأطفال الصغار .
قال حميدة وهو يشعر بالخيبة:
ـ نحن شعب متخلف ، نتحمل مسؤولية ما يحدث لنا ، لأننا فضلنا حَنْيَ رؤوسنا حتى اعوجت رقابنا ، ومشينا لسنين طويلة بجانب الحائط ، لكن لكل ساعة ملائكتها .
رن الهاتف فأقفلته فاطمة وردت بيأس:
الناس يا حميدة لم يعد لديها ما تخسره نعم ، لكن ساعتنا لها ملائكة لا نحبهم ولا يحبوننا . الملائكة الذين نحبهم ، وكنا نعول عليهم ، شاخوا قبل الأوان . خانهم التنظير والصحة ، وجدوا ضالتهم في الهواتف النقالة ، ولم يعودوا قادرين على النزول إلى المصانع والحقول .
والله أخاف أن تدور وتدور ، كما دارت في عشرين فبراير ، وتعود بنت الكلاب إلى أولاد الكلاب.

مراكش 12 غشت 2020




  • Like
التفاعلات: فائد البكري

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى