عبد الحميد الصائح - يَحْدُثُ الآنْ.. شعر

يأتي بَريدُ القَلْبِ هذا اليَومْ ،
بِلاقِتالٍ ولاقِطافٍ لِثمارٍ دامِية ٍ،
ولابَراءاتٍ لأقْوامٍ عائِدَة ٍمِنَ الخَديعَةْ..
بَريدٌ مِنْ مَلايينِ السنينْ، يَصِلُني يَومِياً ،
مِنْ حٌرّاسٍ يُبدلونَ حُرّاساً وَقَدْ أخْطأوني،
تَركوُني خالِداً مُنْهَكاً بِلا عَواطِفَ أمُرُّ على العُصورْ،
حارَبْتُ بالأيْدي وبِالحَجَرْ،بِالمِعاوِلِ والسّيوفِ، وبِالبارودِ والطّائِراتْ ،
أَدْفُنُ أهْلي وأصدِقائي وأعْدائي ،
يَموتونَ وَيَتَناسَلونَ ويَخرِجونَ وَيَتَكاثَرونْ ،
الاّي،
أنا المُتَبقيّ الوَحيدُ الذي إنطفأتْ بي غُدّةُ المَوتْ ،
أتَنَقَلُ بَيْنَ العُصورْ ،
شاهداً على المَمالِك التي قامَتْ ثُمّ انْدَثَرَتْ ،
على الحٌكَماءِ والمُحاربينَ والسّحَرَة والمجرمينَ والشهداء ِوالحمقى ،
على العُري وَوَرَقِ التوت ِوإفتراس الأطفال الرضّعِ أو تجمّدهم في الحقولْ .
وأعرفُ كمْ كلّفَ هذا الوجود ُمن الدمُوعِ والدِماءْ،
وكَمْ مِنَ الفَرَحِ والتَناسُلِ والحُبِّ والعَذابِ والصُراخِ شَهِدَهُ هذا العالَمْ ..
أعْرِفُها ،
اقوامٌ أعْرِفُها جَيداً ، أعْرِفُ سُلالاتها ، وَمَقاساتِ لِحى مٌحارِبيها ،
وَكَمْ نَزَفَتْ وِكِمْ كَذِبَتْ وَكَمْ خَدَعَتْ وخُدِعَتْ وكمْ ماتَتْ وَعادَتْ ثُمّ ماتَتْ ثم عادت ،
عَلّمتُها الحِكْمَةْ ، وَأشْبَعَتني قِتالاً،
وَتَرَكَتْني جَريحاً أبَدياً بَيْنَ المُسْتَنْقعاتِ والكٌهوفِ ، والسّلاحِفِ ، والبَراكين ، وَحرابِ الأعداءْ.
جُنْدِياً بِلا هُويّة ، وشاعِراً فِطريّاً يَكتُبُ تَحْتَ المَطَرْ ،
مُحاصَراً ب (الآن) الذي لايَنْتَهي ،
والعَجَلةِ التي تَعودُ بي اليّ كلّما مَضَتْ.
أقِفُ عِنْدَ (الآن)،
أتذكّرُ النَمْلَ يَسْحَبُ قَوافِلَ الهاربينَ مِنَ المَوتِ للمَوتْ ،
والبيوتَ التي هُدِمَتْ على ساكِنيها،
والبَواخِرَ التي غَرِقَتْ ،
والحروبَ التي أشْعَلَها الكَهَنَةُ و المَخْمورونَ مُنْذُ أوَلِ إنْسانٍ يَدُبُ بَين الماءِ واليابِسِةْ
..
أتذكّرُالأرواحَ العاريةَ النازحةَ الباكية المنفعلة الخائفة وهي تفتش عَمّنْ أطْلَقَ صافِرةَ البِداية .
لتَتحَول البُلدانُ مِن شَوارِبَ مَعقوفَةٍ الى سُيوفٍ بِرؤوسٍ مُتحارِبَةْ الى نِزاعٍ بين مقابرَ ماضيةٍ ومَقابِرَ في الطريقْ.. .
خرائط َوكتباً وأوهاماً ورسوماً على الكُهوف ،
عقولاً توَرّمت بالتأمل ،
وفلاسِفةً أعْدِموا بَعْدَ أنْ نبتتْ لهم أعْيُنٌ على تَمامِ أجْسادِهِمْ .
أقِفُ عاشقاً صَغيراً لملياراتٍ من النِساءِ اللواتي جِئْنَ وحَلُمْنِ وَرَحَلْنْ.
بَيْنَ صَلاتي عَلى الماءِ ، وصَلاتي على جَسَدٍ مِنْ سَحابْ
أتَنَقّل مِنْ صَحراءٍ الى صَحراءْ ، ومِنْ ذَبحٍ الى ذَبْحْ
لأرى بِحاراً تطوي بحارا ، وفضاءاتٍ تدعو سكانَ تلكَ الكهوفِ الى رِحلةِ اللاعودة.
أثْقَلَني دَمُ الكُتُبْ ، وشَواهِدُ قبورِ الذين انْتَظَروا شَيئاً ما دونَ جَدوى .
دَفَنْتُهُمْ بِيَدي ، وظلّتْ أعينُهم شاخِصَةً أمامي ،
أسْألُ الأقوامَ القادمةَ عن أمي وأبي ، ولاجَوابْ.
عَن حَفلاتِ العَدالةِ ، ولاجَوابْ
عمّن خَلعَ مِنْ جَسدي غُدّةَ المَوت الرحيمْ ،
وَتَرَكَني مُنْهَكاً من الخُلود ،
أمرّ على العُصورِ بلا عاطفة ٍ ولاقَرارْ.
عَن أنْ أكونَ أو لا أكونْ .
عَنْ جَمالِ أنْ تاتي وتُغادِرَ دُونَ ضجيج .
أنْ تَبْكي على أحَدٍ وأنْ يُبْكى عَلْيكْ
أن تَفقِدَ وتُفتَقَدْ ،
أنْ تولَدَ لتَموتْ
وأنْ تَموتَ لتَحْيا
عن عَقْدةِ (يحدث الآن) التي تلُازِمني مُنذُ بدء السؤالْ.
مُمزّقاً بينَ حَرْبٍ وَحَرْبْ، بَيْنَ الغاباتِ والمُدنِ الإلكترونيّة ،
بَيْنَ الله الذي خلقنا جميعا ، وَذلِكَ الذي قَتَلَنا جَميعاً.
بَيْنَ ذاكرةٍ لاتَمْتَليء ونِسيانٍ لايَحْدُثْ.
أفتّش عَن غُدّةِ الموتِ،عن متعة الخوفْ.
افتش عن سلاحي.


انتهى في 26/05/2019
.
عبد الحميد الصائح

من مجموعة - شهيق جماعي -

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى