مازن الحمداني - الحب أنقذني.. قصة قصيرة

غمرته لحظة يأس فباع نفسه للشيطان، مل من الفقر، والبطالة، وأراد أن يكون من أعوان السلطان، لعله يحظى بوظيفة، وراتب شهري ليفكر بمستقبله المجهول، عمره تخطى الخامسة والثلاثين، ولا أمل يلوح في الأفق، فأصغى لرفيق السوء، وصار ضمن جهة متنفذة، وأمام اختبار القبول، ومفتاح الأبواب المؤصدة، كل الاحتمالات التي ظنهم سيطلبونها منه هيأها، الشهادة، وحسن السيرة، والسلوك، والالتزام الديني، والاثني، والطائفي، والأخلاقي، ولكن الطلب يضرب كل هذا عرض الجدار، بعد أن لبس أفضل ثيابه، وأستعد للمقابلة، ذهب لشخص أخذه بسيارته لمقر الحزب الحاكم، ودخل يرتجف خوفاً، وقلقاً، تقدم بخطوات مضطربة، لاحظ مرافقه اضطرابه، فحاول طمأنته من خلال صرف ذهنه بأسئلة بعيدة عن الموضوع الذي هما بصدده، وبهذا الأسلوب شتت تفكيره، واستطاع أن يسيطر على رباطة جأشه، وأن ينتظر أن ينادوا عليه للمقابلة، بعد ساعة من الانتظار دخلا على المسؤول الكبير، وبعد السلام والمجاملات البروتوكولية المعتادة، بدأ المسؤول يتحدث عن الاستعمار، والصهيونية، ووجود عملاء في البلاد يعيقون عمل الحكومة، ولهذا القوى الثورية في هذه البلاد، يجب أن تقتص من هؤلاء العملاء، بيد أبناء الدولة المخلصين الوطنيين، ثم توقف عن الكلام، وسأل المرافق؛ هل حصل الأخ على تدريب عسكري، واستعمال السلاح؟
- نعم أستاذ أرسلناه إلى دورة تدريب في الخارج لمدة ثلاثة أسابيع، وكان من المتفوقين فيها.
- جيد، إذاً لن تجد صعوبة في تنفيذ المهمة.
- نعم أستاذ، لكن هل تريدون أن أعمل في الجيش أو الشرطة؟
- لا، قالها بضحكة صفراء، ثم كلامٌ تمجُّه الأسماعُ تفوه به.
- ماذا قلت؟! وكأنه لم يصدق ما سمع.
- هل أنت سمعك به مشكلة؟
- لا، أنا أسمع جيداً لكن أردت التأكد مما طلبته مني.
- حسناً، أنت لا تريد خدمة بلدك؟
- نعم، أريد خدمة بلدي.
- إذاً تخليص البلاد من هذه البنت التي تلتقي بالسفارات، وبالكفار هو عمل وطني، وجهاد في سبيل الله.
ظل صامتاً بضع دقائق يتفكر، هل سأصبح قاتلاً، ولو رفضت هل سيسمحون لي بالعيش أم سأصبح مقتول، ولو سمحوا لي بالتراجع، هل سأعود للفقر، والبطالة، أفكار كثيرة قادته إلى ضرورة التصرف بذكاء، وافق بعد تردد ظاهر.
شعر المسؤول بالقلق منه، ولكن موافقته منحته شيئاً من الراحة، لهذا أعطاه المال، والتشجيع، والسلاح، وأرسل خلفه من يراقبه، وتنفيذ الأمر، ولكن بقتلهما معاً في حال التراجع عن التنفيذ.
أوصله صاحبه لمكان عمل الناشطة، وكانت الساعة التاسعة ليلاً، حيث وقت خروجها، خرجت فرأها تبعد عنه عشرين متراً، فتقدم نحوها، وهو ينظر لوجهها، وعيونها التي تظهر براءتها، فدخلت قلبه، عشرون خطوة كانت الأولى الندم، والثانية التراجع، والثالثة الأعجاب، والرابعة الحب من أول نظرة، والخامسة حمايتها، والسادسة التضحية بكل شيء للفوز بها، خطوات غيرته، وكل خطوة أبدلت شيئاً فيه، حتى لم يتبق إلا خطوتين، وقف مخرجاً مسدساً بيده، فوقفت متسمرة أمامه، قال: أنا أحبكِ، ومستعد للموت دفاعاً عنك، هل أنتِ مستعدة لقبول حبي؟
- عفواً أخي هل أنت جاد في كلامك؟ أم هذه مزحة منك؟
- عزيزتي هناك قرار بقتلك، وأنا هنا جئت للدفاع عنكِ بدافع الحب، فهل تقبلين حبي حتى أموت سعيداً، أني مت في سبيل شيء يستحق التضحية من أجله.
- إذا كنت صادقاً، فعليّ أن أكون صادقة معك، أنت أثرت إعجابي، لكن الحب ليس زراً يمكن أن نضغط عليه متى نشاء.
- أقبل الإعجاب ابتداءً، والآن أركضي نحو المبنى ولا تنظري للخلف مهما حصل.
انطلقت تجري بسرعة، وهو يركض خلفها، وبيده مسدساً كاتماً للصوت، جاءت دراجتان نارية وعليهما ثلاثة أشخاص يطلقون النار عليهما، وهو يطلق رصاصاته نحوهما، أردى أثنين، والثالث أصابه في فخذه، وكتفه، وفر هارباً، فوقع على الأرض، وهو ينزف بغزارة، جاءت الناشطة تركض نحوه، وهي تبكي، حتى إذا وصلت إليه أخذته في حضنها، وتضغط على جرحه حتى لا ينزف أكثر، وهي تقول: أصبر حبيبي...



تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى