نقوس المهدي - إسمه عبد الفتاح إسماعيل

فلا وراءك ملهى = ولا أمامك مصرف
فلا من البعد تأسى = ولا على القرب تأسف
لأن همك أعلى = لأن قصدك أشرف
لأن صدرك أملى = لأن جيبك أنظف
* عبدالله البردوني

قد نزعم بدون ادنى مبالغة بأن جنات عدن كانت حقيقة على وجه الارض ، و ليست ضربا من الخيال ، بها حوريات و سلطانات ، و فيها من كل جميل مثنى ، و تجري من تحتها انهار الخمر والعسل خالدين فيها ، حين كان اليمن السعيد سعيدا ، وله سد منيع ، و جمهورية و جنوبيا و شعبيا و اشتراكيا و ديمقراطيا و شيوعيا و أمميا ، قبل ان تصل دول الخليج الى ما وصلت اليه الآن من بذخ مزيف ، و فخفخة مستوردة ، و تخوض حروبا رجعية بالوكالة عن الامبريالية الامريكية و الصهيونية العالمية بالمنطقة ، و تصدر الارهاب ، و الفكر الوهابي الرجعي الطائفي و الاصولي ، و فتاوى الظلام و الامية و الفوضى و الجهل

تذكر كتب التاريخ كيف كانت عدن قبلة و محجا للمفكرين التقدميين و الشعراء المصطهدين ، و عاصمة كونية لكل الشعوب المستعبدة ، و مثالا للجمهوريات الثورية الصاعدة ، ترفل في العز و الرخاء ، لا رخاء اليسر ، وعز الدلال ، و بسط العيش و سعته ، لكن أقصد أطيبه ، حيث الايديوليوجيا لا تقوم بتعويم الجماهير في الماء البارد ، و حيث الكفاف و الطمأنينة و القناعة و الفرح و الرضا يسكن الافئدة ، و المحبة تملا البطون ، و اذا ضاق عيش اليوم على امرئ فإنه يصبر الى الغد ، و هو قرير العين مبسوط البال بان الرزق آت لا محالة ، و المستقبل زاهر و مشرق ، و الاولاد يتعلمون ، و البركة موفورة ، والخير يفيض برا وبحرا ، و الكل يشارك في بناء الوطن ، دون ادنى تفكير بنهاية التاريخ ، و لا بما سوق يأتي به الغيب ، و النساء سواسية مع الرجال يجلسن بالمقاهي ويكتبن الشعر ، و يحملن السلاح معا ، ويخضن حروب عصابات طويلة الامد دفاعا عن الأنوثة ، ضد " كلخ " الامامة و شبح الانقسام و الطمع في خيرات البلد و ما ولد.

عبدالفتاح إسماعيل الجوفي أكبر من ان تحصره التعريفات المبتسرة ، سياسي وشاعر ومنظر وقائد ميداني من طراز رفيع ، ولد في يوليو 1939م في محافظة (تعز) شمال اليمن . تلقى تعليمه في عدن ، عمل في مصفاة لتكرير النفط من عام 1957م إلى 1961م ، ساهم في تأسيس حركة القوميين العرب في جنوب اليمن ، في عام 1961م أصبح معلما في مدرسة بعدن ، يعتبر أحد مؤسسي الجبهة القومية للتحرير في 14 أكتوبر 1963م ، تفرغ للعمل الثوري و أصبح قائدا للجناح العسكري لجبهة التحرير القومية الذي يحمل اسم (فدائيين) في عدن.

و قد عرف اليمن احدى اهم الجمهوريات الشيوعية ، و كان الحزب الشيوعي اليمني الفتي نموذجا يحتدى به بين باقي الاحزاب الشيوعية بالعالم العربي و بالشرق العربي ، قبل ان تهوي تباعا بعد انهيار الاتحاد السوفياتي . و حين نذكر هذا الحزب العتيد ، لاننسى أن نذكر زعيم الثورة و مهندسها الرئيس سالم ربيع علي (سالمين) الذي قال: (إننا جميعاً حريصون على أن تظل الثورة تختط الطريق الواضح و الجاد الذي دائما يخدم مصلحة الجماهير من عمال و فلاحين و صيادين، و إذا كانت بعض القوى تحاول أن تعرقل مسيرة الثورة ، فإن ذلك سنة التاريخ ، فلكل ثورة ثورة مضادة ، و نحن نؤمن أننا طالمنا سلكنا الطريق الصحيح ، فإن اعداءنا لن يتركونا و سيحاولون وضع العراقيل أمام كل الترتيبات التي نعملها في مصلحة الشعب المحروم الذي عاش 129 عاماً مكبوت الحرية .. مسلوب الإرادة.. و يجب أن نكون أكثر تصميماً و إيماناً بالثورة .. و نكون جنوداً مخلصين لها ، و أن نراقب كل الناس في السلطة.. و نراقب كل الناس في التنظيم لأننا نؤمن أننا إذا كبتنا الجماهير و عزلناها عن تحمل المسؤولية ، فإن ذلك يعني أننا نسير في طريق غير صحيح ، سبق أن سلكته الكثير من البلدان و فشلت في أن تحقق أبسط القضايا المهمة و الضرورية للجماهير الكادحة من عمال و فلاحين و صيادين فقراء. )

و قد قتل سنة 1986 في سيناريو مشابه لاغتيال الرئيس سلفادور الليندي ، وقتل سالمين بطريقة مأساوية برصاص الاصدقاء الاعداء ، وقتلت الثورة في الخليج واهب اللؤلؤ والمحار والردى

تعليقات

ثنائِيةُ الأنَا فِي الذاتِ والموضوع
عبدالفتاح إسماعيل


سَرَتْ غَيْمةٌ
حَجَبَتْ خُيُوط الشمسِ
عنْ سمَائِي
قالَتْ همْسَةٌ :
- أنتَ بائسٌ
همْسَةٌ
تُدَوِّي صواعقُ
تُمْطِرُ .. سهَاماً وخَنَاجِرَ
تغْرِسُ في ضُلُوعِي
والسعَادَةُ .. شهْقَةُ إعصَارٍ
تتَلَوَى
تتَمَاوج
في ذُرَاها كَان سَيَرى
كيْ أجِدُها
هلْ أجِدُها ؟
هلْ تَجِدُني ؟

* * *

ويَظِلُّ القلبُ مصْلُوباً
وعقْلِي لا يُصدِّقُ
صدَقَ صبْرِي
وانتِظَارِي ...
وعيُونِي تتحجَلُ
في جبينِ الشمسِ تسأَلُ
عنْ ملاذٍ
نصطفيهُ ..
نتجدَدُ

* * *

أنتَ بائسٌ ؟
لستُ أدرِي !!
آااه .. أدْري
أهوَ مُجْدٍ أن أُصَرِّحُ ؟
وبملء الصوتِ أًْصْرِخُ :
- كمْ تعذّبْتُ ؟
وكمْ صبَّ العذابُ في فؤادِي
جذوةِ النارِ ولسعاتُ الصقيعُ

* * *

آه يا قلبِي الزاخر
يا قلْبي المَحرُوم من قطرةِ حبِّ
من بعضِ حنانٍ
فالموْتى الأحياءُ
لا تسمعُ منكَ
صرخة حزنٍ
إذْ تتمزقُ في قلبِ الأشياءِ
شظايَا ...
فترتدُّ إليكَ
دونَ صدَى

* * *

في زَخْمِ عاطفَتِي
أفْرَاحِي رَحَلتْ ..
في سفُنِ الأحزانُ الكوْنية
حيثُ لا مرسَى
يَتَنَفَسَهَا
يُحيِيها
وعرفتُ يا قلبِي المكلُومُ
عمٌقُ الجَرْحِ
وهجرُ الفرحةِ

* * *

وتُهْتُ يا قلْبِي المشطور
سنواتٍ
بعمرِ الأرضِ
وأمطارِ الأرْضِ
دموعٌ لمْ تكفٌّ
كيْ تغسِلَ من أحشَائِكَ
وجهُ الحزنُ الدَامِي
بكثافَتُهُ
يتلوَّثُ منهُ تيارُ النهرِ
ومَوْجِ البحرِ
وعلى أبوابُ عيونِكَ يا قلْبِي
" أيَموتُ الوردُ ندِيّاً " ؟
و " تمُوتُ الأشجارُ واقفةً " ؟
وتغِيبُ الشمسُ فلا تشرقَ
فآهٍ .. آه .. يا هذا القلبُ المتعبِ
ألمٌ
ألمٌ
ألمٌ
ألاّ يكونُ شريفاً
في الدُنيا الحبِّ

* * *

ويعُود الصوتُ
يُغنِي .. نَعيقَ غراِبِ
يا هذَا الصوتُ
حفيفُ الأفعى
المملوء حياةً بسُمِّ الموتِ
أتَتَشَفَّى بِشَقاَئِي
كأنِّي بائسٌ
فالِأشياءُ في رحمِّ الأشياءُ تتغيَّرُ
وأنا لستُ يـ .... ا ... ئـ ... س
فالجذبُ يخصِبُ ... مبْتَدئاً
ورنينُ الحزنِ .. إيمانٌ
يفتِحُ لي محْرابَ الفرحةِ
والنجمة حاضرة
ترنو
تَتَدَلى في أُفُقُ حَيَاتي
تَتَشَكلُّ
تقْتَرِبُ
تكْبَرُ
تمْلؤْني ضياءً
الصوْتُ يلفظُ آخرَ أنْفَاسِهِ
- أنتَ بائِسٌ ؟
لا .. فلْيَخْرِسُ
ويَمُوتُ في الأعْمَاقِ
هذا الصوْتُ
الصدّى
المشْلولُِ
فالآنَ أحِسُّ بقلبِي يتدَاخَلُ
يتَوَحَدُّ
يتجدّدَ
وبعيْنِ الأشيَاءِ تتغَيَر
فالقُبْحِ جمالٌٌ
والليلُ نهارٌ
و ... .... ....

* * *

هَا أنتَ يا قلْبِي
فيِ قلبِ الرِحلْةُ
تغْدو عصفُورَ الجَنة
تطوِي أجْنِحَتُكَ
تفْرِشُها
تَطْويها
تفْرشُها
تُحَلّقُ في صُبْحِ حياتِي
تُغرِّدُ في نشوةٍ
تُرتيلُ صلاةُ الحبِّ
للمحْبُوبَةِ ...
المَاضِيةُ .. في بؤْسِي
الحَاضِرَةُ .. في أمَلي المشْرِقُ
المنْتَظِرةُ .. في عُرسِي الأكْبَرُ
هذه مَحْبُوبِتِكَ يا قَلْبِي
في حُزْنِكَ تَشْبَهُها
فِي فرْحَتِها تشْبَهُكَ
وكالألْوانِ
تمتَزِجَانِ
في اللوْن الواحدُ
فيَنْتَشِرُ في ذُرَات دمّي
سِلاَماً
عِشْقاً
شوقاً
وإِذَا بالعُمْرِ شِرُوقٌ
يمْحُوَ ظَلاَمُ حيَاتِي
يغْسِلُ مَاضيّ بؤْسِي
أَتَنَفَسُ منْه .. أشْدُو
أشدو
فأخْلِعُ أشْرِعَةَ الحُزْنِ
وأَرْسُو
أَرْسُو
أ ... رْ ... سُ .... و ....

عدن ـ 1975·


عبد الفتاح إسماعيل
 
أعلى