المكّي الهمّامي - أَنَا ابْنُ قَافِيَةٍ تَغِيبُ..! - شعر

(في اليوم العالميّ للشّعر،
وتصادِيًا مع صرخة الشّاعر التّونسيّ الرّاحل محجوب العيّاري، ذات كشف..)

■1■
لا شَيْءَ يَحْمِلُني على الإِيمانِ
بِالوَقْتِ الرَّصاصِ.. وأَنْتَ تُدْرِكُ
أَنَّني ما خُنْتُ عَهْدًا.. ما قَتَلْتُ
حَمامَةً، في أُفْقِها الفِضِّيِّ،
صَاعِدَةً تُحَلِّقُ، عالِيَا..
ما اغْتَلْتُ أُغْنِيَةً تَبوحُ بِحُزْنِ
مُنْشِدِها، وتَغْسِلُ رُوحَهُ مِنْ جُرْحِها..
لا شَيْءَ يَشْغَلُني،
وقَدْ نَبَتَتْ عَلَى كَفِّي القَصيدَةُ،
بَهْجَةً خَضْراءَ، غَيْرُ قَصيدَتي
في ذاتِها ولِذاتِها،
إِذْ دُونَها أَنا لَمْ أَكُنْ..

جَسَدُ الكِتابَةِ
في كَفَنْ..!

■2■
الكُلُّ يَعْرِفُ.. هَـٰهُنا،
نَهْرٌ يُؤَرِّخُ سِيرَةَ الشِّعْرِ الغَريبَةَ،
في الزَّمانِ الكَلْبِ: مُلْتاثونَ،
مِثْلِيُّونَ، مَأْبونونَ، مَثْمولونَ،
مَخْبولونَ، مَطْرودُونَ كُلِّيًّا مِنَ المَعْنَى..
ولَيْسَ لَهُمْ سِوَى الأَوْهامِ دَرْبًا..!
يَشْحَذُونَ خَناجِرَ الحِقْدِ الدَّفينَةَ
ضِدَّ أنفسِهِمْ.. وهُمْ،
في ما عَدا هَذا، لُصوصٌ..
[قَدْ أَتَوْا ما لَيْسَ تَأْتِيهِ اللُّصوصُ،
حَماقَةً..] سَرَقوا فُصوصَ الحُلْمِ
مِنْ تاجِ القَصيدَةِ، واسْتَباحُوا أَرْوَعَ
الأَشْياءِ فِيها: الصِّدْقَ، أَخْلاقًا وفَنًّا..
واسْتَمَرُّوا في السُّقوطِ
إلى الحَضيضِ.. إلى العَفَنْ..

جَسَدُ الكِتابةِ
في كَفَنْ..!

■3■
حَقْلٌ ثَقافِيٌّ تَمَوْمَسَ، كُلُّهُ..
وعَوْتْ ذِئِابٌ فَوْقَ رَبْوَتِهِ الخَرابِ...
[ولَسَتْ مِنْهُمْ مُطْلَقًا،
مُذْ صَرْخَةِ الأَطْيانِ في خَلْقي]
وهُمْ شِيَعٌ تَصارَعُ كَالذِّئَابِ
عَلَى الــ* ـحابِ، وهُمْ حُثالَةُ ما رَأَيْتُ..
[ولَسْتُ مِنْهُمْ - قُلْتُ- لَسْتُ..!]
وقَدْ وُلِدْتُ مِنَ الغَيابَةِ يُوسُفِيًّا،
مُفْرَدًا في فِكْرَتي..
وأنا ابْنُ قافِيَةٍ تَغِيبُ،
لِيَخْفُتَ الإِيقَاعُ مِلْءَ رُؤايَ،
وابْنُ أَصابِعي الجَذْلَى
بِأَجْراسِ المِحَنْ...

جَسَدُ الكِتابَةِ
في كَفَنْ..!

■4■
لا شَأْنَ لي بِصُراخِهِمْ،
في أُمْسِياتٍ ليسَ فيها الشِّعْرُ..
أُدْرِكُ أَنَّهُمْ لا يَفْقَهونَ مِنَ الكِتابَةِ،
غَيْرَ أَسْجاعٍ.. وأَرْمي "شِبْهَ نَصٍّ"
يَكْتُبونَ جَهالَةً، جَوْفَ القُمامَةِ،
خَشْيَةَ العَدْوَى.. وأَضْحَكُ: وَسْطَ
هَذا الفَقْرِ، تَخْيِيلاً وحِسًّا.. صارَ
أَشْرَفَ لي، الذَّهابُ إلى القَصيدَةِ،
[وَهْيَ أُنْثايَ الجَميلَةُ]
حافِيًا، فَوْقَ الزُّجاجِ، مُهَشَّمًا،
لِتَكونَ مَمْلَكَةُ القَصِيدَةِ لي سَكَنْ..

جَسَدُ الكِتابَةِ
في كَفَنْ..!

■5■
ماتَ الأُلَى كانَتْ دِماؤُهُمُ
فِداءً للعُرُوبَةِ.. ماتَ سَيَّابُ العِراقِ،
مُحاصَرًا، وَسْطَ الخَليجِ.. وماتَ
قَبَّاني الَّذي عَبَقَتْ قَصائِدُهُ
بِوَرْدِ الشَّامِ، مَطْعونًا
بِخَيْبَتِهِ المَرِيرَةِ في العِبادِ، سُدًى...
وماتَ مِنَ الكَآبَةِ فارِسُ الشُّعَراءِ،
دَرْويشُ القَضِيَّةِ، وهْوَ يَدْفَعُ
بِالكِتابَةِ في مَضائِقَ وَعْرَةٍ،
ويَخوضُ مُنْتَصِرًا مَتاهَتَها المُضيئِةَ،
باحِثًا فيها عَميقًا عَنْ مَعانٍ للوَطَنْ...!

جَسَدُ الكِتابةِ
في كَفَنْ..!

■6■
الآنَ، تُدْرِكُ أَنَّكَ الطَّيْرُ المُغَرِّدُ
[لَسْتَ وَحْدَكَ]
في امْتِدَادِ الضَّوْءِ.. تُطْلِقُ
في الصُّعودِ الحُرِّ أَجْنِحَةً
مِنَ الكَلِماتِ..
لا شَيْءٌ سِوَى الكَلَماتِ
تَحْفِرُ في الخُلودِ نَشيدَها..
لا شَيْءَ غَيْرُ الحَرْفِ،
جُنْدِيًّا حَقِيقِيًّا،
يُرَمِّمُ في الخَرابِ بِلاَدَهُ،
لِتَكونَ أَرْوَعَ من عَدَنْ..

جَسَدُ الكِتابَةِ
في كَفَنْ..!

شعر// المكّي الهمّامي
(بنزرت– تونس)

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى