فاطمة النهام - الجمجمة 💀 (قصة قصيرة من أدب ما وراء الطبيعة)

في ليلة عاصفة، اتجه الدكتور (جيمس روبرت)، أستاذ علم الفيزياء النووية، إلى المقبرة ليلاً، وهو يغطي وجهه بلثام.
كان القلق يعتريه، وهو يلتفت يمنة ويسرة، أحاسيس عديدة متضاربة شعر بها في هذه اللحظة، تمتزج بين الخوف والقلق والتوتر.
المكان يبدو مخيفاً ودامساً، الأمطار تضربه بقوة كالسياط، وصوت الرعد يعلو وكأنه مئات الأسود التي تزأر من السماء، شعر بها وكأنها تود أن تهاجمه وتفترسه بلا رحمة.
توجه لحفر أحد القبور، وقلبه يخفق بعنف، جاهد بأن ينهي مهمته بسلام، فقدماه مثقلتان جداً. تباً لهذا الطين الذي يمسك بهمها بإصرار. ماذا لو استيقظت أرواح الموتى المتعبة الآن لتحيطه من كل مكان؟!
إنهم غاضبون منه حتماً. أليس هو الكائن الغريب المتطفل الذي جاء من عالم الأحياء ليخترق خصوصيتهم بلا خجل؟! حتما إنهم غاضبون منه، فهو الكائن غير المرحب به بينهم.
ازدادت الأمطار غزارة، شعر وكأنها لكمات ساخطة، وكلمات لاذعة تلومه على فعلته الشنيعة، تصبب منه العرق ممتزجاً بماء المطر، وهو لا يزال يحفر ذلك القبر.
بعد ساعة من عمله المضني، نزل إلى قاعه، وانتزع تلك الجمجمة. هو لا يعرف إن كانت لرجل أو امرأة، ولكن لا يهم.. المهم أنه قد عثر عليها أخيراً.
انزلقت قدماه فجأة، ليجد نفسه يسقط على وجهه. أمسك بتلك الجمجمة بقوة. لقد أخذ وقتاً طويلاً في حفر ذلك القبر حتى حصل عليها. نهض من مكانه ببطء، والأمطار لا تزال تصفعه بقسوة، والظلام يحيط به من كل مكان.
سحقاً.. أين هو المصباح اليدوي؟ أخذ يتحسس الأرض الرطبة بحثاً عنه. ماذا لو أمسكت به إحدى أيادي الموتى البائسة لتسحبه إلى داخل القبر! آه.. لقد وجد المصباح أخيراً.
جاهد في الخروج من المقبرة إلى أن نجح في ذلك، حمل معه تلك الجمجمة، وقد أحاطها بلثام آخر.
توجه إلى منزله، وقام بتبديل ملابسه المبللة بالماء والطين. جلس في غرفته، ووضعها على الطاولة، وفي ثوانٍ أشعل الشموع.
ماذا سيفعل الآن؟ هل سينجح فعلاً في أن يسمع صوت حبيبة قلبه مجدداً؟! كان يشعر بالخزي والعار من نفسه، لكنه يؤمن بأن الحب يستحق أن يفعل من أجله المرء أي شيء.
أخذ يقرأ التعويذات بتوتر ليحضّر روح زوجته الحبيبة (كاترينا)، والتي فقدها منذ زمن في حادث سيارة. لكم يفتقدها ويشتاق إليها.
لازمته للحظات مشاعر الذنب. كيف يعقل أن يؤمن بمثل هذه الخرافات، وهو بهذا المنصب العلمي والأكاديمي؟!
طرد تلك الأفكار من رأسه، وبمحاولات مستميته استمر في قراءة التعويذات، على أمل أن تنطق الجمجمة! هو لا يريد شيئاً في هذه اللحظة، سوى أن يسمع صوتها، يريد أن يقول لها بأنه يحبها ويعشقها حتى النخاع.
ولكن.. تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن. فمحاولاته اليائسة باءت بالفشل. امتلأت أعماقه بمشاعر الحزن والحنق، وضع رأسه بين كفيه، وهو يستعيد مشهد حادث السيارة.
لقد انتزعها الموت من بين يديه بلا رحمه، وهو الآن يجاهد.. فقط لكي يسمع صوتها، حياته لم تعد جميلة كالسابق، لقد أحال موتها حياته إلى حطام، بل إلى عالم مليء بالظلمات.
أخذ يبكي بحرقة، ودموعه الحارة تسيل على وجنتيه، تماماً كما يتدفق المطر بالخارج، شعر بها تحرق صدره وتمزق نياط قلبه.
امتزج نحيبه بصوت المطر الذي كان يطرق النافذة بقوة، مشاعر شتى لازمته في هذه اللحظة، تختلط بالوحدة واليأس والإحباط.
رفع رأسه ليرى تلك الجمجمة قابعة على الطاولة، شعر وكأنها ترمقه ببرود ولا مبالاة، امتلأت أعماقه بالغيظ، دفعها بيده ليسقطها أرضاً وهو يقول بسخط:
ـ جمجمة خرساء.. غبية!
ارتدى معطفه ليغادر المكان. خرج من البيت، وعيناه لا تزالان تدمعان ألماً. جلس خلف مقود سيارته، وانطلق مخلفاً وراءه سحابة ضخمة من الدخان.
وخلال ثوانٍ، ومن داخل الغرفة، انبعث صوت أنثوي حنون:
ـ أهذا هو أنت يا عزيزي؟!

بقلم القاصة البحرينية أ. فاطمة النهام

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى