علي خليفة - مسرحية الطوفان (أو الفيضان) للكاتب الألماني جنتر جراس

يعرض علينا الكاتب الألماني جنتر جراس في هذه المسرحية طوفانا مصغرا يذكرنا بالطوفان الذي حدث للبشرية في عصر النبي نوح عليه السلام، وإذا كان الطوفان الذي حدث في عصر نوح عليه السلام كان الغرض منه تطهير الأرض من الكفار والمجرمين الذين نشروا الدمار والخراب والجرائم في الأرض؛ حتى تعود الأرض نقية طاهرة كما كانت من قبل، فإن ذلك الطوفان الذي يحدث في مسرحية الطوفان الغرض منه تطهير ألمانيا من كل رواسب الهزيمة التي لحقت بها في الحرب العالمية الثانية، وتسببت في شعور البعض من أبنائها بالضياع والفوضى واللامبالاة، وذلك حتى تعود ألمانيا قوية وشامخة من جديد بعد ذلك الطوفان.
وبطل مسرحية الطوفان هو نوه؛ وترجمته نوح، ونراه خلال ذلك الطوفان المصغر - الذي تسببت فيه الأمطار الغزيرة التي دخلت البيوت، وغطت كثيرا من الأماكن والأشياء على الأرض - ينزل إلى القبو الذي ببيته مع بيتي أخت زوجته المتوفاة، ونراهما في هذا القبو يغوصان في الماء الذي يزيد فيه، ويجمع نوه في صندوق زجاجات أحبار عتيقة يحتفظ بها، ويرى أنها أثمن ما لديه، وكان قد كتب على كل زجاجة منها اسم الشخص العظيم في التاريخ الذي استخدم الحبر الذي كان في هذه الزجاجة في رسائله وكتاباته، أما بيتي فتأخذ من هذا القبو ألبوم صور شخصية، وتراها أثمن شيء لها.
وينتقل المؤلف في هذه المسرحية خلال مشاهدها العديدة بين ثلاثة أماكن هي ذلك القبو، وحجرة في بيت نوه، وسطح ذلك البيت.
وينقلنا المؤلف لسطح ذلك البيت فنرى فيه فأرين ذكرا وأنثى يتحدثان عن ذلك الطوفان، ويقولان: إنه تسبب في تركهما القبو وصعودهما للسطح، ويعبران عن رغبتهما في أن يتوقف ذلك المطر الذي تسبب في هذا الفيضان أو الطوفان.
وفي تلك الغرفة بذلك البيت نرى يتا ابنه نوه مع خطيبها هنري الذي يحاول أن يقربها منه أكثر، ولا يبدو عليهما أنهما منشغلان بهذا الطوفان.
ونعود للقبو فنرى نوه ينادي على ابنتيه وخطيبها ليساعداه في حمل ذلك الصندوق الذي جمع فيه زجاجات الحبر الأثرية، ولكنهما لا يسمعانه، ثم نرى فجأة أن ذلك الصندوق يفتح، ويخرج منه ليو ابن نوه و صديقه الزنجي كونجو، ويصعدان مع نوه وبيتي لتلك الغرفةوهم يحملون ذلك الصندوق، وتحمل بيتي معها ذلك الألبوم.
ويشعر كونجو أنه منجذب نحو يتا، ويستطيع أن يثير شهوتها نحوه، فتميل له، وتتجاهل خطيبها، ويتضايق خطيبها هنري من ذلك، ويصعد للسطح وحده، ويراه الفأران، ولكنه لا يراهما؛ لاختبائهما عن ناظريه.
وينتقد هذان الفأران تصرفات البشر خاصة أهل ذلك البيت، ويقرران أن يقوما برحلة لمكان جميل بعد أن يتوقف ذلك الطوفان.
ويصعد لسطح ذلك البيت أيضا كونجو ويتا ويبدوان متآلفين، وكذلك يصعد إليه ليو وبيتي، ويعبر هنري عن غضبه من كونجو؛ لأنه أخذ خطيبته منه، والتصق بها، ويقول ليو لهنري: إنه وكونجو سيتركان هذا البيت، وستعود له خطيبته، وذلك حين يتوقف ذلك الطوفان.
ويتوقف المطر، ويظهر قوس قزح في السماء، ويستعد ليو وكونجو لرحلتهما، وكذلك يستعد الفأران لرحلة يقومان بها.
ويرغب ليو وكونجو في أن يأخذا ساعة عتيقة معطلة في ذلك البيت معهما، وكان أحد الفئران قد أكل عقاربها، ويخرج عند ذلك من تلك الساعة رجل، ويقول: إنه قد جاء لحصر التلفيات التي حدثت في هذا البيت بسبب ذلك الطوفان، ويسأل ذلك الرجل يتا عن أمنيتها، فتقول له: إنها تريد السماءأن تمطر وتمطر حتى تصل المياه إلى هنا، وتنتهي المسرحية.
وربما قصدت يتا من رغبتها في عودة نزول المطر وغمره لكل مكان من جديد أن يطهره بعدما أصابه من تلف من جراء تلك الحرب العالمية الأخيرة.
ولا شك أن ذلك الطوفان المصغر كان له دور كبير في إعادة نظر بعض الأشخاص في هذه المسرحية لأسلوب حياتها لا سيما الشباب، أما نوه العجوز فلم يؤثر فيه ذلك الطوفان كثيرا، فهو متمسك بالماضي الذي ترمز له زجاجات الحبر التي يقتنيها ويحرص عليها، وكذلك لم تتأثر بيتي العجوزة بذلك الطوفان؛ لأنها منجذبة هي أيضا للماضي من خلال تمسكها بألبوم الصور الذي تحتفظ به.
وقد مزج المؤلف في هذه المسرحية بين عرض الواقع ومشاهد الفانتازيا والرمز، وظهر هذا جليا في تلك المسرحية.


تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى