علي خليفة - الآليات التي وظفها يعقوب صنوع في مسرحه لجذب الجمهور إليه

أغلب الظن أن يعقوب صنوع لم يكن من أصول مصرية، وهو في الغالب من أصول إنجليزية، ودرس في إيطاليا، وانبهر بالمسرح فيه، ورغب في أن يقدم للجمهور المصري ذلك الجنس الفني الذي لم تكن له به معرفة إلا للخاصة منه ممن كانوا يشاهدون العروض المسرحية التي كانت تقدمها بعض الفرق الأجنبية في حضرة الخديوي إسماعيل.
وربما تكون هناك بعض العروض المسرحية الشامية على يد سليم النقاش وغيره قد سبقت عروض مسرحيات يعقوب صنوع، ولكننا نرى أن مسرحيات يعقوب صنوع كانت تحاول أن تقيم جسرا للتواصل بينها وبين المتفرج المصري - وهذا مما ينفرد به مسرح صنوع عن أي عروض مسرحية عرضت في مصر قبل مسرحه - واعتمد في ذلك على آليات في نصوصه المسرحية وفي عروضه أيضا، وسوف نتكلم عن هذه الآليات في ذلك المقال.
حين نقرأ مسرحية موليير مصر وما يقاسيه ليعقوب صنوع -أو جمس سانووا أو أبي نظارة - نشعر أنه كان يحاول تأسيس مسرح مصري في فراغ مسرحي، فالجمهور المصري البسيط لا يعرف عن المسرح شيئا؛ ولهذا بذل يعقوب جهودا كبيرة لاستنبات ذلك الفن في الأرض المصرية، وصور لنا بعض جهوده والعقبات التي واجهته خلال ذلك في تلك المسرحية الرائعة.
والآن نتكلم عن هذه الآليات التي وظفها يعقوب صنوع في مسرحه؛ ليجذب الجمهور المصري مع اختلاف طبقاته وفئاته وأديانه إلى مسرحه:
أولا: قصر مسرحياته
نرى أن مسرحيات صنوع التي وصلت إلينا وكان قد قام مع فرقته بعرضها - مسرحيات قصيرة، فهي من فصل واحد أو فصلين، ولا يتجاوز عرض أي مسرحية منها ساعة أو ساعة ونصف، وكان صنوع يهدف من ذلك إلى ألا يستثقل الجمهور طول مسرحياته، وهو جمهور ليس معتادا على مشاهدة العروض المسرحية.
ثانيا: تقديمه أكثر من مسرحية خلال العرض الواحد
وكان يعقوب صنوع - كما نفهم من مسرحيته موليير مصر وما يقاسيه - يقدم في العرض الواحد أكثر من مسرحية، وذلك التنوع كان يقصد به أن يشد الجمهور لعروضه بما فيها من مسرحيات مختلفة قد ينجذب فريق من الجمهور لبعضها لإعجابه بحبكتها أو بعض الأنماط الكوميدية فيها أو القضية التي تعرض بها، وقد ينجذب جمهور آخر حضر نفس العرض لمسرحية أخرى لاحقت استحسانا في نفسه لحبكتها أو لشخصيات طريفة بها، أو لأنها تعالج قضية لها هوى في نفسه.
ثالثا: توظيف يعقوب صنوع للعامية المصرية في مسرحه وذلك حتى يفهم الجمهور الذي يغلب عليه عدم التعليم في ذلك الوقت لهذه المسرحيات، وكذلك كان يعقوب صنوع يعالج في هذه المسرحية قضايا المجتمع المصري آنذاك ،وكان من الغريب حقا أن يستخدم لغة أخرى غير التي يستخدمها الناس في حياتهم في ذلك الوقت، وكذلك كان صنوع يكتب مسرحيات كوميدية، وكان يرى أن عرض هذه المسرحيات بلهجة غير العامية لن يجعل الجمهور يضحك منها.
وقد وجد يعقوب صنوع معارضة كبيرة من بعض النقاد والمؤرخين والعلماء والمسئولين في ذلك الوقت لاستخدامه العامية المصرية في حوار الشخصيات في مسرحياته، وكانت المعارضة الأشد من علي مبارك، وذكر هذا يعقوب صنوع في مسرحية موليير مصر وما يقاسيه.
وفي هذا الصدد نلاحظ أن يعقوب صنوع كان ينوع في بعض مسرحياته في اللهجة التي يستخدمها بعض الشخصيات لتكون مناسبة للشخصية، وأيضا لتكون وسيلة في الإضحاك؛ ولهذا نراه يجعل بعض الشخصيات تتكلم بلهجة عربية كالتي ينطق بها أهل النوبة، كما نرى ذلك في مسرحية (أبو ريدة وكعب الخير)، وفي مسرحيات أخرى له نرى من يتكلم العربية بلهجة أهل الشام، وفي مسرحيات أخرى يجعل بعض الشخصيات تتكلم العربية بضعف شديد كالأجانب، ونرى أن هذا التنوع في نطق اللغة العربية بمزجها بمفردات إجنبية كان وسيلة إضحاك وظفت كثيرا بعد ذلك في المسرح المصري، خاصة في مسرحيات نجيب الريحاني وبديع خيري.
رابعا: معالجة القضايا المعاصرة
وقد رأى يعقوب صنوع أنه مطالب بتقديم قضايا المصريين ومشاكلهم في عصره؛ حتى يتفاعلوا مع هذه المسرحيات التي تقدم لهم؛ ومن ثم نراه عالج قضية الدعوة للحرية ومقاومة الاستعمار في مسرحية الوطن والحرية- وكانت هذه المسرحية من أهم أسباب غضب الخديوي إسماعيل منه وإغلاقه مسرحه بعد أن استمر عامين قدمت فرقته فيهما مسرحيات عديدة - وأيضا عالج قضية تعدد الزوجات وآثارها على المجتمع المصري في ذلك الوقت في مسرحية الضرتين، وكذلك تكلم عن الأضرار التي تلحق بالمصريين نتيجة مضاربات البورصة في مسرحية البورصة، وغير ذلك من المسرحيات التي عالج فيها قضايا المجتمع المصري في ذلك الوقت.
وجدير بالملاحظة هنا أن جزءا كبيرا من مسرحيات صنوع التي كان يعرضها على الجمهور كان يهتم فيها بتصوير الأسر الأرستفراطية اليهودية في مصر خاصة في مدينة الإسكندرية؛ وذلك لانتمائه لهذا الوسط، وأيضا لأن هذه الطبقة كانت تعيش حياة متحررة في علاقة الرجل بالمرأة قريبا مما كان في أوروبا آنذاك، ورأى أن هذه الطبقة سيكون من الميسور عرض ظهور النساء مع الرجال فيها.
خامسا: بساطة الحبكة المسرحية في مسرحياته
ونرى أن أغلب مسرحيات صنوع فيها حبكة بسيطة، لا تعقيد أو غموض فيها، وقلما ترى في مسرحه مسرحية فيها أكثر من حدث، وحتى المسرحيات التي فيها أكثر من حدث نرى تداخل تلك الأحداث فيها، كما نرى ذلك في مسرحية الصداقة.
وكان يعقوب صنوع أيضا يتعمد إنهاء مسرحياته نهايات سعيدة حتى لو جاءت متكلفة حتى يستميل الجمهور إليها؛ لأنه يحب تلك النهايات السعيدة، كما نرى ذلك في مسرحية العليل ومسرحية الصداقة.
سادسا: تلخيص إحدى الشخصيات لبعض أحداث المسرحية في مقدمتها
ورغبة من صنوع في أن يتواصل معه الجمهور الذي يشاهد مسرحياته فقد جعل إحدى الشخصيات في بعض مسرحياته تقدم لها وتعرف ببعض الأحداث والشخصيات فيها، ولعله تأثر في ذلك بيوربيديس الكاتب الإغريقي الذي اتبع ذلك الأسلوب في كثير من مسرحياته، كما ترى في مسرحية الفينيقيات، ومسرحية أندروماخى.
سابعا: توظيف عناصر كوميدية متنوعة فيها
وأغلب الظن أن كل المسرحيات التي عرضها صنوع على الجمهور المصري - لاسيما في المقهى الذي كان يقدم فيه عروض فرقته - كانت كوميدية، وقد نوع فيها صنوع في عناصر الكوميديا، فاعتمد في بعضها على المواقف التي تقوم على سوء الفهم، كما ترى ذلك في مسرحية الأصدقاء، واعتمد أيضا فيها على الأنماط الكوميدية كنمط النوبي الظريف في مسرحية أبو ريدة وكتب الخير الذي تقمصه علي الكسار في كل مسرحياته وفي بعض أفلامه، ونمط الخاطبة الظريفة واسعة الحيلة، كتلك التي رأيناها في مسرحية أبو ريدة وكعب الخير، ووضع أنماط أخرى كان لها تأثير كبير على من كتبوا مسرحيات كوميدية تصور الواقع المصري بعد ذلك.
وأيضا اعتمد صنوع في مسرحياته على عناصر كوميدية أخرى كالتنكر والتكرار والحط من المقام بالسب والضرب، وتنوع اللهجات واللغات في الحوار، وغير ذلك.
ثامنا: مزج حوار مسرحياته التي كتبت نثرا ببعض الأغاني
وكان يعقوب صنوع مدركا أن الغناء والشعر هما أهم ميراث فني عند العرب والمصريين؛ ولهذا مزج حوار مسرحياته ببعض الأغاني خاصة في ختامها؛ لينجذب الجمهور المحب الغناء لهذه المسرحيات.
وهذه هي أهم الآليات التي اعتمد عليها يعقوب صنع في مسرحه ليجذب الجمهور المصري إليه.




1618743343530.png

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى