علي خليفة - صورة المرأة في مسرح أحمد شوقي الشعري

نرى أن المرأة لها حضور قوي ومؤثر في مسرح أحمد شوقي الشعري، ويكفي في هذا الصدد أن نعرف أن مسرحيتين من مسرحياته الثماني عنوانها يحمل اسم امرأة، وتتركز الأحداث في كل مسرحية منهما على اسم المرأة التي ذكرت في عنوانها، وهاتان المسرحيتان هما مسرحية كليوبترا، ومسرحية الست هدى.
ونرى له مسرحية ثالثة لا يذكر في عنوانها اسم امرأة، ولكن تذكر صفة لها، وهي مسرحية البخيلة التي يكون الحدث الرئيس فيها عن الست نظيفة الشديدة البخل على نفسها وعلى كل من حولها.
وكذلك نرى أن عنوان مسرحية مجنون ليلى لا يركز على قيس بن الملوح الذي هام حبا بليلى، وصار مجنونا بها فقط، ولكنه يركز أيضا على محبوبته التي كان مجنونا بحبها، وهي ليلى التي يذكر اسمها في عنوان هذه المسرحية.
والمسرحيات الثلاث الشعرية الأخرى لشوقي نرى فيها علاقة حب بين عاشقين، وغالبا ما تكون الخط الأساسي قي هذه المسرحيات، فنرى في مسرحية عنترة أن الخط الدرامي الأساسي فيها عن حب عنترة لعبلة، وحبها له، وكان عنترة يظن أن عبلة لا تحبه لشخصه، ولكنها تحب فيه شعره وشجاعته، حتى تأكد بعد ذلك من أنها تحبه قبل كل شيء لشخصه، ويستطيع هذان العاشقان أن يتغلبا على كل الصعوبات التي عاقت طريق حبهما، وتزوجا في نهاية هذه المسرحية التي هي أقرب في بنائها للمسرحية الكوميدية.
وأيضا نرى في مسرحية قمبيز علاقة حب ثانوية بين ابنة الفرعون المعاصر لقمبيز وشخص اخر، ورفض ذلك الفرعون أن يزوج ابنته لقمبيز حين أمره أن يزوجه ابنته؛ لرفضه مصاهرته لكونه يطلب ذلك الطلب بمنطق القوي المتعالي، وكذلك رفض أن يزوجها له لحبها لشخص آخر، ولم يستطع الفرعون أن يبلغ قمبيز برفضه هذا، فتم عمل حيلة بإرسال نتيتاس ابنة الفرعون السابق على أنها ابنته، ولما اكتشف قمبيز هذه الخديعة غزا مصر، واحتلتها جيوشه، ولكنه دمر مع جيوشه في صحراء سيوة إثر تعرضهم لعاصفة شديدة بها.
وأيضا نرى في مسرحية علي بك الكبير علاقة حب ثانوية فيها، وهي عن حب مراد لآمال التي تتزوج من على بك الكبير، وينضم مراد لجيش محمد أبو الدهب الذي يحارب جيش علي بك الكبير؛ حتى يقتل علي بك الكبير ، وتصبح آمال له وحده، ولكن مراد يكتشف بعد ذلك أن آمال أخته، فيقف إلى جوارها بعد مقتل على بك الكبير خلال حربه مع محمد أبو الدهب.
والحقيقة أننا نرى علاقات عاطفية في كل مسرحيات أحمد شوقي الشعرية إلا مسرحية الست هدى، فقد كانت فيها الست هدى لا تعشق الرجال الذين تتزوج منهم واحدا بعد الآخر، وإن أبدت إعجابها ببعضهم، وإنما كانت تستمتع بتغيير أزواجها، وكأنها كانت تجد متعة كبيرة في ذلك، ونرى أيضا في هذه المسرحية قول إحدى الفتيات اللائي تصاحبهن هدى بأن فتيات مصر كن في ذلك الوقت الذي كتبت فيه هذه المسرحية- وهو نهاية الثلث الأول من القرن العشرين - لا يخيرن فيمن يتزوجوهن، بل يجبرن على الزواج منهم، ومن ثم كان من الصعب وجود علاقات عاطفية في تلك الإجواء.
ومن ملاحظاتي الأخرى على صورة المرأة في مسرحيات شوقي الشعرية أننا نرى المرأة فيها كثيرا ما تحكم عقلها والواجب على حساب العاطفة، بخلاف الرجل الذي يبدو في أغلب مسرحيات شوقي يحكم عاطفته قبل تحكيمه للعقل والواجب، كما نرى هذا بوضوح في مسرحية مجنون ليلى، فنرى في هذه المسرحية قصة عشق شديدة بين قيس وليلى، وكان قيس قد شبب بليلى في بعض شعره، ويعد هذا تجاوزا غير مقبول بين أهل البادية؛ ولهذا رفض والد ليلى زواج قيس منها، وحتى حين توسط لقيس للزواج من ليلى ابن عوف أمير الصدقات جعل المهدي ليلى ابنته هي التي ترد عليه، فأخبرته أنها ترفض قيسا زوجا لها مع حبها إياه لكونه شبب بها، وتتزوج ليلى شخصا غير قيس، وتندم على تصرفها هذا، وتمرض من شدة حبها لقيس وبعدها عنه، وتموت، ويصاب قيس بنوبات من الجنون بسبب بعده عن ليلى، وحين يعلم بموتها يبقى بجوار قبرها حتى يدفن في قبر يجاور قبرها.
وأيضا نرى كليوبترا في مسرحية كليوبترا مع شدة حبها لأنطونيو فإنها تحكم عقلها والواجب قبل قلبها؛ ولهذا نراها تنسحب بجيشها المناصر لجيش أنطونيو حتى يقتل الأميران الرومانيان وجيوشهما بعضهم بعضا، ويسلم لها جيشها، وإن كانت قد أخطأت في تقديرها هذا؛ لان هزيمة جيش انطونيو كانت تعني بالضرورة استسلامها لعدم قدرة جيشها الصغير على مواجهة جيش أوكتافيوس.
وبينما كانت كليوباترا قادرة على أن تحكم عقلها والواجب على عاطفتها فإن أنطونيو كان خاضعا لحب كليوبترا، وأنب نفسه كثيرا على ذلك، وعرف أن من أسباب هزيمته هو خضوعه لهذه العاطفة.
وكذلك نرى في مسرحية علي بك الكبير أن آمال الجارية الجركسية حين ترى المملوك مراد تشعر بعاطفة نحوه، ولكنها تقاوم هذه العاطفة بعد أن تتزوج من علي بك الكبير، وتكتشف مع نهاية هذه المسرحية أن مراد هو أخوها، وأن أباها الجركسي قد باعه في صغره كما باعها هي بعد ذلك.
وأيضا نرى في مسرحية قمبيز أن الأميرة المصرية نتيتاس تقبل أن تتزوج من قمبيز لا لأنها تحبه ولكن من أجل مصلحة الوطن، فهي أيضا - كأغلب بطلات مسرحيات شوقي في مسرحه الشعري - تغلب حكم الواجب على العاطفة.
ويبدو أن شوقي قد تأثر في ذلك بمسرحيات كورني التراجيدية، ففيها تغلب بطلاتها حكم الواجب على العاطفة، كما نرى هذا في مسرحية السيد، ومسرحية أوديب.
ونلاحظ أيضا أن المرأة العاشقة في مسرحيات شوقي الشعرية تنظر لحبيبها الشاعر على أنه سيخلد ذكرها وذكرى عشقه لها على مدى التاريخ بشعره فيها، وترى أن هذا مدعاة فخر لها، ويجعلها هذا الأمر تزداد تعلقا به، كما نرى هذا في موقف ليلى من شعر قيس في مسرحية مجنون ليلى، وأيضا نراه في موقف عبلة من شعر عنترة فيها في مسرحية عنترة.
ومما يدل على أن أحمد شوقي كان شديد الملاحظة للمرأة في مجتمعه أننا نراه في مسرحيتيه الكوميديتين - وهما مسرحية الست هدى ومسرحية البخيلة - قد عرض في كل واحدة منهما نمطا كوميديا من النساء، ففي مسرحية الست هدى عرض لنا نمط المرأة المزواجة، وفي مسرحية البخيلة عرض لنا نمط المرأة البخيلة في شخصية الست نظيفة.

علي خليفة



1619449378704.png




تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى