عوض عثمان عوض جبريل - فرقة أبا الخالدة.. و أستوكهولم الساحرة

مدخل :

بينما كانت الشمس تنثر أشعتها على
إستحياء في مدينة أستوكهولم....
كانت الثلوج تهطل بإيقاع منتظم في
شمال السويد... Skellefteå


-1-
أذكر عندما وصلت لمطار أستوكهولم في إتجاه رحلة للشمال جال في الخاطر فجأة موسيقى فرقة أبا الشهيرة من مكان بعيد في أقصى ناصية الروح.... بالتحديد أغنية eagle التي كانت مقدمة لبرنامج سينما سينما لسنوات طويلة قبل مجئ نظام الإنقاذ.. لمقدمه الأستاذ المخضرم صلاح محمد عبد الرحيم.. وللأمانة برنامجه غني و عبارة عن تحفة فنية و أعتقد من أفضل البرنامج التي قدمت في تاريخ تلفزيون جمهورية السودان على الإطلاق من حيث المضمون والشكل والإخراج وروعة اختيارات الأفلام ورصانة التحليل...
-2-
مع أمين معلوف.. مقعد على ضفاف السين..
أتاحت لي هذه الرحلة لشمال السويد لمدة خمسة أيام بالسفر حول أربعة قرون من تاريخ فرنسا... مع صاحب القلم الرصين أمين معلوف الذي جلس في مقعد رائد البنيوية كلود ليفي ستروس بالأكاديمية الفرنسية .. وهو كتاب متميز وجهد عميق من أمين معلوف المسكون بعشق التاريخ.. كتاب روعة بمعنى الكلمة بأسلوبه المعتبر الذي لا يخلو من الدقة وجمال الأسلوب وروعة الإختيار والروح المرحة وتقصي عميق في جوف التاريخ للأكاديمية الفرنسية وهو تاريخ فرنسا نفسها...
جرت العادة أن يمدح العضو الجديد في الأكاديمية العضو الذي إحتل مقعده فكان على أمين معلوف أن يكتب عن عالم الأنثربولوجيا كلود ليفي ستروس إلا أن العمل إمتد ليكتب عن كل الذين شغلوا كرسي الخالدين وكانت المفارقة أن أول
أعضاء الأكاديمية لم يجلس سوى عام ونيف ومات في حادث غرق...كتاب غني يستحق بلا شك الإطلاع لكل المهمومين بشغف التحصيل والمعرفة، الكتاب يتكون من 18 فصلاً بداية من بيار باردان 1595 - 1635 حتي كلود ليفي - ستروس 1908- 2009
يقول المؤلف في خاتمة الكتاب:
( جلس الواحد منهم تلو الآخر على المقعد التاسع والعشرين، وعرفوا حقب العظمة أو الرعب، التشدد الديني أو عصر التنوير، والملاحم وفترات الضياع والهزائم... ثم رحلوا بعد أن خلفوا أو لم يخلفوا وراءهم آثاراً، بينما كانت باريس وفرنسا وأوروبا والبشرية جمعاء تشهد تحولات بارزة... وتلك هى القصة المديدة التي شئت أن أسردها إنطلاقاً من هذا المقعد الخشبي الذي أجلس فيه بدوري لبعض الوقت)
-3 -
سيسيليا... سأصير يوماً ما أريد
في طريق العودة من أستوكهولم إلى لندن تصفحت في مجلة شركة الطيران SAS وكان غلاف العدد فيه صورة بطلة العالم النرويجية للملامكة في وزن نصف المتوسط سيسيليا بريكهوس..لفت إنتباهي ملامح وجهها وبعد
أن إطلعت على الموضوع داخل المجلة عرفت أنها من أصول كولومبية.. وبلاشك كان يمكن أن تكون ملكة جمال لكنه القدر وكما يقال حب الناس مذاهب.. إضافة لذلك بدت لي ملامحها مثل الفنانة السودانية / الدنماركية الراحلة ناتاشا سعد..
الغريب في الموضوع أنها كيف أصبحت بطلة ملاكمة للعالم بالنرويج في حين أن هذه اللعبة ممنوعة هناك من نفس السنة التي رأت فيها سيسيليا النور 1981م؟؟؟ ...
وهنا يكمن سر إصرارها أنها تريد أن تكون بطلة لدرجة أنها قفزت مرة من منزل أسرتها من الطابق الرابع حتي تواصل تمارينها.. وبعد ذلك ذهبت لألمانيا ومثلت بلادها من هناك وفازت ببطولة أوروبا وبطولة العالم ولها جمهور عريض في العالم وبالطبع من النرويج وحتى من أفراد بالأسرة المالكة .. لكن تعتبر في نفس الوقت كأنها عملت شئ محرم تستحق أن تجرم عليه.. قبل أربعة سنوات سمحت الحكومة الجديدة بالسماح للملاكمة للمحترفين مرة أخرى... وكان سبب المنع هو أنها رياضة تسبب الأذى في الرأس....
قد يكون سبب وجيه لكن ليس على حساب حرية وقرار المواطنين حتى لو كانت خياراتهم خاطئة...
قمة التناقض أن تجيز دساتير دول داخل الإتحاد الأوروبي الموت الرحيم وتمنع لعبة الملاكمة !!!؟؟؟
تحية لهذه البطلة الواعدة القادمة من بلاد ماركيز سيسيليا بريكهوس....
مخرج :
في أروقة البياض الشاسع
تنام الطبيعة في صمت
يملؤه الوداعة والسكون..


عوض عثمان عوض جبريل

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى