حسن إمامي - بهو الاعتراف

عللت لمحتها بخصلات شعرها المتدلية على طرف ومدار حاجبها الأيسر. بسبابة حادة الرمح المصبوغ بأحمر شفاف مناسب للون حُلِيِّها التي زينت مشهدها أمام المرآة، ذهبت حركة الجسد كموج، والأطراف كشُرُعٍ، والحواس كرياح، رسالةً صوب هذا الرفيق المنهمك في مطالعاته. قائمة رفوف مملوءة بالكتب والمجلات، كلها تشكل مكتبات صغيرة مختلفة الأحجام، موزعة بين زوايا هذه الجلسة المنفتحة على عوالم متنوعة.
هذه المنافِسات لفضاء حضورها، أرادت منها معادلة تُخضعها لمنطقها. مطلوب منه ألا يغفل بحدسه عن الكائن الذي يعيش معه. مطلوب منه أن يعلم بذكائه لحظات السهو من لحظات الاشتغال من لحظات الاهتمام. حين تظهر الشمس تثير النور وتفتح مسالك الدروب والجداول والتحليق. يتوارى غيرها في الاضاءة والاحتفاء. هي أول ما يلفت الانتباه.
انتقلت اللوحة من مرحلة التشكل أمام المرآة إلى مرحلة التجسد التفاعلي مع هذا الذي يُكمل طبيعتها ويُضمد جروحها التي تختلقها نفسيتها. ها هو خَلْقٌ جديد، بإبداع أناملها وعطرها وجسدها وفستانها الجديد، وباقة زينتها التي احتفلت بجمالها الانثوي، لكي تنقله إلى بهو الاعتراف والتقدير.
بادر الرفيق إلى رفع رمشيه في انتقال سريع مألوف بين فقرتين. بين رشفة من فنجانٍ أخذ حظه من البرودة، ومطلع الفستان الجديد الفائح بعطره واللائح بمحيا ثرياه المتغنجة في مشيتها والمتراقصة بابتسامة وجهها، كان عليه أن يقف ويتوقف عن عالمه الورقي وسحر معانيه، لكي يلج عالم النجمة الآتية لمراقصة مدراه. سيكون بدرا لابد له من التوهج والاشتغال، لكي يعطي دفئا ونورا عاكسا لنور ثرياه.
لو كان هذا العالم الورقي آدميا، لعرفت كيف تفتنه وتستهويه وتحتويه في عالمها واحتفاليتها. لو كان طاقة كهربائية، لعلمت طريقة إطفائه وتغيبيبه. لكنه ورقي من عالم الصحف الأولى التي استعانت بها السماء في التدوين والخلود. هذا الذي اقسمت به الصحف الأولى، وخطّت بالقلم وسطرت كلماته في البداية، فكان له من التقديس ما يجعلها تتردد في منافسة حضوره وحرقه بنار الغيرة المشروعة.
لم يستطع الخروج من شريط الكتاب المعروض صورا مقروءة بين يديه. احتاج لقرار كبير، ساعده عليه أخذ نفَس عميقٍ، بين جعل سبابته معلِّماً بها الصفحة منه، وبين البحث عن بسمة ديبلوماسية يلتمس بها عذرا في تعليل تثاقل انتقاله من عالم الفكر إلى عالم الوردة الآتية لاختراق جلسته.
ليتها أجلت الظهور، وجعلت شروق شمسها بعد حين من الفجر وفلق الصبح. كان سمره داخل الكتاب، مشهدا تشبيهيا رائعا أخذ لُبّه وسحر حواسه على التركيز والتشوق لمتابعة متعة الحكي والسرد الذي أنساه المحيط المادي والثقافي المجاور لعالم قراءته.
ارتعدت أصابعه الثلاثة في قبضتها على الفنجان. خانتها العينان في عدم ضبط وضعه فوق الصحن المستدير الصغير فوق الطاولة. انقلبت القطرات السوداء فوق الصفحة الزجاجية. تكسرت معها مرآة المشهد الذي فرض الدور الاجتماعي أن يخرج رفيقته من حُلَّتِها العرائسية إلى حُلتها المنزلية في دور تنظيف وتصويب كل خلل أو خطأ أو خدش لجنّة المنزل، جنتها. هي المسؤولة عن وظيفة الجمال والحسن بين خلائق المجال وأشيائه.
لابأس ! فالصبر جميل وطريق للهجوم وتدبير التحكم في الموقف وفرض البديل المطلوب. و كذلك كان:
ـ لا عليك. سأهتم بكل شيء .
ـ شكرا حبيبتي .

==============
حسن إمامي

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى