رسائل الأدباء رسالتان بين أنطون سعادة ورشيد سليم الخوري (الشاعر القروي)

رسالة أنطون سعادة إلى القروي


صديقي العزيز رشيد سليم الخوري،
لم أسرع في أمر الكتابة إليك، لأن أموراً ملحةً كانت تتطلب عنايتي واهتمامي كل المدة التي مضت على مغادرتي سان باولو، والأمور الملحة في شعبنا المائع النفسية، المبلبل الفكر، كثيرة جداً ومعقدة جداً ويزيدها تعقداً كثرة من يعيث فيها من السفسطائيين والنفعيين والرجعيين المولّدين فوضى تضيع فيها المناقب والأخلاق والمواهب والمطالب.
كان سروري كبيراً بإعادة عهد صداقتنا الأولى، صداقة الثقة والحب والأخلاق، وهذه الصورة هي التي أريد أن أحتفظ بها لما فيها من دقائق جمال سوري نفسي. إنها صورة يمتزج فيها مظهر الوطني والشاعر امتزاجاً لا يؤثر على خصائصها المستقلة، وأنا أفهم الوطنية غير السياسة، وأفهم الشعر هنا غير المواضيع التي تعالجها الشاعرية.
إنك أهديت إليّ (الأعاصير) وأنا بعد في الوطن، لا يعرف أصدقائي الأُول عني سوى أني «أديب وطني»، ولكنك لم تتناول مني كتاب شكر أو تهنئة أو ترحيب، ولا رأيت لي مقالاً أو كلمة في ديوانك الجديد، كما كان ينتظر من «أديب وطني» وصديق للشاعر، ثم كان أنك أهديت إليّ نسخة ممتازة التجليد في سان باولو سأحتفظ بها ما أمكنني ذلك وسط هذا الاضطراب العظيم في حياتي وشؤونها.
إني أقدر هذه الهدية وأرى فيها روح الصديق الشاعر، ولا أكتمك أني لا أود أن أقرأ مقاطع معينة من (الأعاصير) كالتي تجعلنا أحقر من أن نهدي إلى الأندلس السلاما ولا تشير، ولو من طرف خفي، إلى القوى الكامنة فينا وقرب نهضتنا التي نؤمن بها، وعندما أقول «فينا« أعني نحن بالحقيقة، أي نحن السوريين الذين أنت أيضاً تعنيهم حين تقول «خبرينا كيف نقريك السلاما».
«إني أرى حال انحطاط شعبنا قد طغت على شاعريتك وخنقت الشعور بقوى الأمة السورية الكامنة وبوجود الطبيعة السورية. فخرجت (الأعاصير) وغيرها من شعرك الجميل شعراً جميلاً من حيث هو مظهر فني من مظاهر الشعور، ولكنه شعر مؤلم للنفس السورية المستفيقة لأنه شعر يصفعها ويرذلها ويحقرها ويزيد في إفقادها الثقة بنفسها. وكم وددت أن يتناولك الوعي القومي فتستفيق شاعريتك لنفسيتك السورية وللنفسية السورية بذاتها فيخرج لنا شعر آخر امتزج فيه الوعي بالشاعرية، فإذا هو مزيج متجانس تجانساً بعيداً ينتج حرارة لذيذة مقوية ونوراً هادياً، وهو غير المزيج الذي لا يولد غير اللهيب اللاذع، القاتل.
منذ آخر مرة تحدثت فيها معك في شؤون الوطن مرّ وقت تطور فيه الموقف تطوراً خطيراً، من نظرة تلقيها على الموقف الجديد تدرك أن جميع تقديراتي لمؤتمر مصر ومؤتمر لندن، في صدد مسألة جنوب سورية وغيرها من المسائل السياسية، قد أصابت كبد الحقيقة، وأتمنى أن تكون قد اقتنعت كل الاقتناع بأن القضية السورية هي قضية قومية يجب أن يقوم بها السوريون باعتبارهم أمة موحدة المصالح والحقوق والإرادة. وإنه إذا كان سياسيو الأقطار العربية يريدون نجاح قضيتنا فما عليهم إلا أن يؤيدوا مواقفنا، لا أن يتناولوا هم أنفسهم قضيتنا ويجعلوها جزءاً من قضاياهم الخاصة. ألم يؤلمك أن يتبادل وزير خارجية مصر ووزير خارجية تركية الأنخاب بزوال وحدة الشام وفكرة الوحدة السورية في الوقت الذي يسلّم فيه لواء الإسكندرونة الغني إلى الأتراك؟
قد قدرت موقفك في رد أكاذيب الذين أرادوا أن يستغلوا اسمك كما استغلوا أسماء غيرك للطعن في الحزب السوري القومي وزعيمه (إشارة إلى تكذيبه في (سورية الجديدة) ما نشر في صحافة الوطن من الأخبار المغرضة التي قالت الصحافة المذكورة إنها واردة في كتاب من السيد رشيد الخوري إلى أحد أصدقائه في الوطن) ووصول الموسى إلى ذقنك بجعلك تدرك بوضوح نوع السلاح الذي يحاربون به الحزب السوري القومي ونهضة الأمة السورية».

في 16 آب سنة 1939م.

*****


جواب السيد رشيد سليم الخوري

في 20/9/1939م

«لقد بسطت من أمري لك ما لا يهم غير الأصدقاء مثلك وفيه إقامة العذر لتأخر جوابي. ولا أكتمك أني كنت شديد الرغبة في معرفة أخبارك ومدى رجائك انتصار قضيتك التي أسفت أسفاً شديداً أنني لم أقتنع بصواب كل نظرياتها لأقف عليها جهدي الأدبي والروحي، وأرضي نفسي بالعمل لجانب الصديق الحميم القديم السوري الأبيّ الخليق بالزعامة. ولكني مع هذا الأسف أتعزى برباطتي واحتمالي الوخزات المباشرة وغير المباشرة من جانب بعض كتّاب الحزب، وإني كنت ولا أزال أحاول تهدئة ثائر بعض الرفاق الناقمين ومنعهم بدالة الإخاء عن إشهار الحرب على الحزب خوفاً من أن يكون صوابه أكثر من خطأه فنضر من حيث نقصد النفع ومرجع هذا التردد هو إلى سبب اختلاط الأمور وتشعب المذاهب السياسية وعدم استقرار الحالة في هذه الأيام البابلية.
إني بإهدائي كتابي إليك لم أفعل غير واجبي نحو كل أديب وخصوصاً إذا كان صديقاً، وأما نقدك بعض النقط الفكرية في شعري فأشكره لك بناءً على حسن ظني بغايتك وعسى أن يتاح لنا الاجتماع مرة أخرى ليتسع مجال القول في هذا الموضوع وسواه، فإلى اللقاء أيها الصديق بإذن الله .
أخوك المخلص
رشيد سليم الخوري

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى