د. سليمة مسعودي - كأنه النهر فيّ يسابق خطوه نحو منبعه الأول..

كأنه النهر فيّ يسابق خطوه نحو منبعه الأول..
منبعه الأوحد.. ومصبه الأخير..
عدت من خيبتي.. مزدحمة.. بك..
كأنها السماء ليست إلا طريقا للتيه..
حين أذهب فيها.. وراء تأملي..
أنا الباحثة عني.. و كلي حيرة المتاه..
وقد بلغت نقطة اللارجوع..
متى خلت شوارع الروح من لحظة كنت فيها..
و ما زلت..؟!
يا شعر..
غريبا بات وجهك الأليف الذي ربى فيّ طفولتي.. ابتسامتي.. شقاوة قلبي يلهو بأحجار الوقت..
وبيادق الشك واليقين..
و يعبث بالخرائط..
و أنت تدلل فيه ما أنت فيه..
و تلقنه أبجدية الغياب والحضور..
غريبا قريبا..
و أنا أتأملك من خارجٍ داخليٍ باهت التقاسيم.. حائر القلب..ضائع الطريق..
آمنت ان الكلمات تقتلنا وتحيينا..
العالم.... لم يعد له معنى..
العالم وقتنا ونحن فيه..
العالم نحن ونحن فيه..
أشياؤنا التي صارت تنظر إلينا بغباء المعاتب..
كنت أنسج ظلك.. لأعلقه في ركني الصغير..
هناك.. حيث عالمي..
بيني وبين لحظتي الأنت.. دون جدوى..
قد نرحل بعيدا.. حتى من زوايا القلب الصغيرة..
هروبا من شيء ما داخلنا..
ومن ترى يستطيع أن يغادر جغرافية القلب وتاربخ التفاصيل.. و ريح المواسم الضالة؟! ..
وهل هناك نهاية ووصول..؟!
حاولت.. لم أجد غير نهاية الحافة..
الحافة التي تطل على الهاوية..
الهاوية التي لا شيء فيها.. غير جرحي.. و أنت..
عدت منهزمة.. و نهري بدا متعبا.. و قد أنهكه الجريان..
و لا مصب بعدك يحتويه..
أهز أغصان خوفي و ارتباكي..
و أهدهد حنيني..
و لا شيء.. غير الكلمات الباردة..
عاجزة عن أقلمة التفاصيل الهاربة..
منك إليك.. إليك في...
و لا امتداد إلا للبياضات..
تخترق أسود الكلمات.. لتقول..
و تبرع في تشكيل المشهد..
و كنت داخلها..
كصمت خفيف.. خائر القوى.. حائر الطريق..
وحدها المسافة نحوك...
تتأجج بألوان الشوق الملتهبة..
و تصنع الفرق واسعا ومميتا..
بين الغياب والحضور..
بين الاشتعال الكبير.. و الانطفاء الأخير..
ضائعة الخطوات في طريق باتت منذورة للعدم..
للعبثية التي يتوقف عندها كل صمت..
و تتساوى فيه الأشياء.. فاقدة معناها..
أجر ظلي الحزين.. في تعثر الخطى..
صار حملا ثقيلا علي..
و صدري ضج من ضيق التنفس في هواء لست فيه
.. و نهاري بات حطاما..
تجره عربة الفقد في طريقي متعرجة المدى.. قاحلة الضوء و المواسم ..
هكذا نحن.. يغشانا منفانا الصامت فينا..
و يوصد من حولنا الأبواب والنوافذ جميعا.. لنبقى فيه..
الليل غياب طويل طويل.. كثيف الفقد.. كثيف..
و لم تعد مرايانا تشبهنا.. مرايانا التي شهدت توحدنا.. معا..
في لحظة الانكسار الكبير...
تسكن العواصف قلوبنا.. فتذبل الأعشاب..
و ها أطياف الوهم.. تجوب سماءنا المرتعشة..
و تذرو الرماد.. و ليس لها من مطر يوقد الاشتعال سوى..
دمعة تهم بالانهمار..
و تسبقنا إلى موعد مؤجل دائما..
موعد لا يأتي..
وموعد لن يكون..
هناك... في ظلام اللحظة و متاهة الدرب وتعرج الطريق..
و شغور الشوارع الخاوية بعد لحظة الامتلاء..
هناك...يتسع مدى الصمت الحزين.. فينا.. كلما مشينا.
و يشرع صدره لضمنا..
هو يدرك جيدا معنى أن نفقد قلوبنا بعد أن التقيناها على مرمى.. صدفة ثلجية عابرة..
و موعد خريفي معد للاشتعال..
فأججته حرائق الصمت..
لتذيب جليد المسافة..
و تبلد الوقت في عقاربه القاسية..
هكذا فجأة.. تنطفئ حياة بأسرها..
و تبقي لنا ضجيج الخرائب وفائض الزحام..
ما لا تدركه.. و أنت الصامت البعيد..
ما تدركه..
و أنت المزدحم داخلي باغتراب الدلالة.. و واسع المتاه..
.. أني ما زلت على شرفة الانتظار..
يختنق في اللحن المفعم بك..
فيأتي فائضا بعنف المعنى.. وماء القلب...ووهم الأغطية الباردة..
أني.. ما زلت أكتبني.. أكتبك..
لأبقى حية في غيابك..
في صمت كنت أراقب ساعة الرمل.. وميزان الوقت..
أراقبهما في بلادة من انتهى فيه كل شيء..
و لا جدوى من قياس الوقت لحظة المغادرة..
غادرني الضوء النهاري الذي كان يدير الفصول والمواقيت..
و يرعى المواسم..
وحده الوجوم الغامض لوني الوحيد في قتامة المشهد..
تربي النسوة في الانتظار.. ظفائرهن..
و ها شعري.. يزداد تمردا وجنونا.. في غيابك...
يا أيها الجموح.. كف عني عذابك..

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى