محمد الرياني - زَرعٌ..

شقيٌّ كأحلامِ الصغار ، تطاردُه فيهرب إلى الرملِ في الرَّمضاء ، ينتعلُ الرَّملَ خوفًا من الرمل ، تعجزُ عن اللحاقِ به ، تخشى على قدميه الصغيرتين من حرارةِ الأرض ، يضحكُ وهي تبكي ، تتألمُ لأنها طاردته في الحر ، وصلتْ إلى الرملِ ثم خلعتْ نعليْها ورمتْ بهما إليه ، استلمهما ووضعهما على صدره ، لم يلبثْ أن أعادهما إليها وهو يرفعُ قدمًا ويضعُ أخرى ، نادتْه يا... عدْ إليَّ ياصغيري ، رمتْ قطعةَ القصبِ اليابسةِ بعيدًا حتى تؤكد له أنها لن تفعلَ به سوءا ، ازدادَ ضحكًا وهربَ إلى الغرفةِ الصغيرة ، لم يدخل مِن بابِها الغربي كما اعتادت عليه ، تسلقَ من فوقِ البابِ وصعدَ إلى سطحِ الغرفةِ ليقتربَ من سحابةٍ أبصرَها مقبلةً نحوهما ، غيَّم المكانُ بسرعةٍ واسودَّ سقفُ الأرضِ البعيد ، رأته على السطحِ فتمنَّت لو كانت صغيرةً مثله ، قرأ في عيونِ أمِّه أنها تتمنى الصعودَ مثله لتستقبلَ معه المطر ، مدَّ إليها يديْه وناداها لتتعلقَ بهما وتصعد ، مدَّت إليه يديْها ولم تلحق بيديْن صغيرتيْن ، امتلأ سطحُ الغرفةِ بالماءِ فبردت قدماه الحافيتان من حرارةِ الرمضاء ، ظلت تنتظرُه في قلق خشيةً عليه من صدمةِ البردِ بعد صدمةِ الحر ، أخرجتْ من الداخلِ معطفًا يَقيه البرد ، حاولت رميَه إليه فعجزت يدُها الضعيفةُ عن ذلك ، قفزَ نحوَ الأرضِ بخفةٍ لتلفَّه في المعطفِ كطائرِ يرتجف ، عادَ إلى الأرضِ التي شهدتِ المطاردةَ فلم يجدِ الرمض ، سبحتْ الحرارةُ في الماءِ النازلِ من السماء ، وضعَ قدميْه من جديدٍ في مسرحِ المطاردة ، ناداها لتجلسَ إلى جواره ، أتتْ إليه بلا أحذيةٍ لتذوقَ طعمَ المطرِ بقدميْها ، سألها عن القصبةِ اليابسةِ التي ستعاقبه بها ، ضحكت على الولدِ الشقي ،التفتت إلى الأرضِ التي ستزرعُ زرعًا أخضر ، قالت له : بعد الحصادِ سيكونُ هناك قصبٌ يابس ، غمرَ قدميْه في الماءِ حدَّ الارتواء ، ردَّ عليها بأنه سيكبرُ مثلَ الزرعِ .

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى