نبيلة غنيم - تَفَرُد

ترسل السماء أشعتها إلى نافذته، يفتح عينيه في تكاسل عظيم، يشغل سيجار فاخر، يدخل المطبخ ليصنع لنفسه قهوته الصباحية، موسيقى “الهارد روك” تتسلل إلى أذنه، تحاور مشاعره، يهتز جسده معها، يترنح، يتفاعل مع دقاتها، صار كمن شرب زجاجة خمر كاملة، قهقه بصوت يفوق صوت موسيقاه العالية، التفت إلى المرآة، ابتسم لشعره المنفوش النافر وعينيه الغائرتين المظلمتين المكسوتين بالسواد، ووجهه الذي يشبه الباندا، لا يعرف كيف لمح إبليس يتردد كفلاش أمامه، تضئ صورته في رأسه ما بين المرآة ونفسه!
يلبس في عنقه سلسله فضية ضخمة الحلقات، يختار قميصه الأسود ليرتديه علي بنطال أشد سواداً، تمتد يده في بطء لمساحيق التجميل الخاصة بزوجته الراحلة، استكمل تسويد عينيه أحاطهما بقلم الكحل، صنع به هالة من السواد حتى اتصلت بحاجبيه، يضحك ضحكات هستيرية لتظهر أسنانه المتكسرة السوداء، وتزيد من اتساع فمه، يأتي بمثبت الشعر، يصنع قرنين لتكتمل الصورة المرسومة في ذهنه، يقفز وهو يضحك لاكتمال الصورة، ظل يُقَبِح وجهه بالمساحيق ليكون كما يريد.
عند الباب يجد الجريدة الصباحية - التى اعتاد "بائع الجرائد" دسها تحت عقب الباب - يشوطها بقدمه، فلم تعد للأخبار أهميتها عنده!
يركب سيارته، يضغط على زر تشغيل مذياع السيارة، تنبعث موسيقى “الهارد روك”، تتعطل جميع حواسه بسبب الصخب الذي تُحدثه الموسيقى، ينسحق عقله فيقفز على هذا الصخب قفزات راقصة، يتجه إلي محل نظارات، يشتري عدسات بيضاء لاصقة، ينظر في المرآة، يضحك، – تستفز ضحكاته صاحب المحل، فيرجمه ببعض الشتائم-

يتطاوس، يتحذلق تارة ويتفلسف تارة بكلمات تسخر من الحياة ويهزأ بها!.
نظرات كثيرة تلاحقه: يقول بصوت عالٍ من نافذة السيارة: ” لا تصنفونى، فأنا أعيش في عوالم سحرية لا علاقة لكم بها، أنا مُتَفَرِّدٌ، مُتَفَرِّدٌ في ذاتى، فهل هناك قانون يُجرِّم ذلك؟!”
معركة ضارية تحتدم داخل عقله، يزيد من سرعته، من قهقهاته يصطدم بحاوية قمامة معدنية يتحطم الزجاج الأمامي للسيارة، تقذفه الصدمة داخل الحاوية.

-----------------
القصة الفائزة بجائزة "الشيخ منصور الرفاعي عبيد لعام2021

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى