احمد جار الله ياسين - منازل الغيم..

لقد بالغتَ كثيرا
في وضع الاسلاك الشائكة امامي ..كي لا أغادر ..
وبالغتَ في قطع الاشجار التي كانت تزين الغابة حول بيتي ..
وبالغت في صيد العصافير ..
كم أشتاق لزقزقتها الآن وهي تمر في أحلامي ..
بالغتَ في تشذيب عائلتي ..
خطفت اخي في حرب مضت ..
ثم جردتني من أمي بذريعة حاجة اخي لها هناك في سماء الله ..
وبعد ذلك
اقنعت أبي بالانضمام إلى مجلسهم ..
وكأنّ الغيم بات الدرج إلى منزلنا في الأعلى ..
لقد بالغتَ كثيرا جدا
في إقصاء القمصان الملونة عن دولابي ..
واقنعتني
بقميص ابيض واحد فقط.. لانك كنت بحاجة
إلى ماتبقى من قماش لصنع لافتات نعي للشهداء ..
واعلام ملونة ترفرف بسعادة مزيفةعلى ابواب السفارات ..
بالغتَ كثيرا
ومنحتني طوال سنوات من الحصار ربع رغيف يابس ..
بينما كانت بساتينك مكتظة بالنخيل ..وقصعة المعسكرات ..
وقلت لي
ستكون هذه الحرب الأخيرة ..
فكن جنديها ...
وكنتُ ..
لكنك بالغت بالاحتماء خلف الخنادق ..
وتركتني
وحيدا ..اواجه
الرصاص ..
ومن دون مبالغة ..
كنتُ وحيدا حقا
بلا اخ
ولا ام
ولا اب
وبقميص واحد
يرفرف على خصر جائع ..
من أجل
ان ينشغل به
ذلك القناص عنك ..
القناص الذي ..
بالغ جدا
في إطلاق الرصاص على جبهتي
وكانت
تكفيه رصاصة واحدة
ليسقطني ..مثلما تسقط شجرة بضربة حقد من فأس ..
فتنكشف
خلفي انت
في الخندق
أيها الوطن الذي ..
بالغتَ كثيرا جدا
في
ارسال الشهداء والعصافير من بعدي باتجاه منازل الغيم ..
كي تبقى
وحدك
على
هذه
الأرض...


احمد جار الله ياسين



تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى