محمد عارف مشّة - شارع سقف السيل.. قصة

وضع يده على كتفي وهزّني . شعرتُ بزلزال خضّ دمي . نظرتُ خلفي فوجدتُ سوادا وظلمة . ارتفعتُ بنظري إلى الأعلى ، فغابت الشمس عن عينيّ ، ولمحتُ وجها عابسا يقول : ماذا تفعل هنا ؟ . قلت بصوت الخائف المتهدج : أبحث . أبحث عن .........

ــ آها فهمتُ . ثم انزاحت مساحة قليلة من كشرته وأضاف : أتريدها بيضاء أم حنطية اللون ؟ طويلة أم قصيرة . نحيلة أم ..............

ــ أريد قصة ... قاطعته متلعثما خائفا .

*قصة ؟ سألني بدهشة وهو ينظر لي من رأسي لقدمي ، وأضاف : لا يبدو عليك أنك من أصحاب السوابق والقصص . لماذا أنت هنا ؟ ، قالها ضائقا وهو يوشك أن يهزّني ثانية ، فقلتُ قبل أن يثور بركان غضبه .

ــ أريد قصة

*قصة . قصة . لا يوجد امرأة بهذا الاسم هنا . صمت قليلا وهو يتفحصني ، ثم سأل : حشيش أم حبوب ؟

ـــ لا هذه ولا تلك . قلت بدهشة وخوف

*إذن ماذا تريد ، ولماذا أنت هنا ؟. تساءل وقد أوشك صبره على النفاذ ، فقلتُ بارتباك : أبحث عن قصة .

ــ مَن أنت ؟ قالها ، بينما التكشيرة بدأت تأخذ مساحات أكبر من وجهه ، وأضاف متظاهرا باللامبالاة : هل قصتك بيضاء ؟ لدي امرأة ثلاجة

*ثلاجة ؟ قلت بحيرة .


ابتسم وقال بثقة : نعم طويلة وبيضاء كبياض الثلج ، تشبه الثلاجة هل تروق لك ؟

*لا

ــ تحب الشوكولا إذن ؟

*لا

ــ القهوة ؟

*لا

ـــ اندونيسية ؟ . فلبينية ؟ ..........

*لا

ــ إذن ماذا تريد ؟

*قصة

ــ اغرب عن وجهي قالها صارخا ، وهو يشير لي بالابتعاد عن المكان الذي أقف فيه ، ففعلتُ . سرتُ مسرعا . نظرتُ خلفي . وجدتُه بعيدا عني . لوحتُ له بيدي وقلت : شكرا . سأكتب الليلة قصة .

وصلتُ بيتي مساء ، وفي محاولة مني تذكر ما حدث معي ، فأصرّت ذاكرتي العودة بي ، حيث ذاك الطفل ابن العاشرة ، والتي ترافقني طفولته منذ كنتُ طفلا ، فأكتب ...

خرجتُ من باب المدرسة راكضا لاهثا ، فرحا بوسام وضعه المعلم على صدري ، مكتوب بخط واضح وجميل . وصلتُ البيت . دفعتُ الباب الخشبي . ألقيتُ بالحقيبة خلف الباب . ركضتُ باتجاه ( حوش ) الدار . ناديتُ فرحا بأعلى صوتي على أمي . لم تجب ندائي . اتجهتُ لغرفة مبنية من الطين ، مسقوفة بالخشب ، يكثر جلوس أمي فيها . لم أجدها . ناديتُ بصوت فرح أكثر ، توجهتُ لغرفة أمي وأبي ، الباب مغلق . ناديتُ بصوت خائف مرعوب . طرقتُ الباب . خرجت امي . عيناها دامعتان . لم أرَ حزنا في عيني أمي من قبل كهذا . خفتُ . ارتعدتُ . ألقيتُ بجسمي نحوها . احتضنتني . قبّلت جبيني . مسحت دمعها . طيف ابتسامة ارتسمت على شفتيها.

ـــ أين أبي ؟ قلت بشيء من الفخر والخوف

*أبوك في العمل . قالت أمي مبتسمة وأضافت : لماذا تسأل ؟

تراجعتُ إلى الوراء قليلا كي ترى أمي الوسام ، وأشرتُ لها بيدي نحو صدري بفخر . نظرت أمي نحو الوسام ، احتضنتني ثانية ، ثم قالت : وتريد أن يفي أبوك بوعده لتشتري كرة القدم ؟ . ابتسمتُ .

*كم وفرّت من النقود ؟ سألت أمي

ـــ قرشان ونصف وضعتهم أمانة عندك يا أمي .

ضحكت أمي ضحكة لم أرَ أجمل منها في حياتي ، مسّدت شعري ثم قالت : ينقصك قرشان ونصف .

رفعت أمي يدها إلى جيب ثوبها العلوي ، أخرجت ( جزدان ) القماش من عبّها ، وناولتني النقود قائلة : خمسة قروش بالتمام والكمال ، تستحقها يا بطل ، اذهب واشتر ِكرة القدم .

تلقّفتُ الخمسة قروش ، وركضت مسرعا نحو باب الدار ، فقالت ضاحكة : تعال تناول طعام الغداء ، قبل أن تذهب لشراء الكرة .

ــ عندما أعود . قلتُ وخرجتُ مسرعا نحو الدكان . وصلتُ لاهثا . دخلت مسرعا

*أعطني كرة القدم يا عم . قلتُ فرحا . تناول الرجل النقود مني . عدّها . نظر نحوي ، ثم قال : ينقص قرش واحد .

قلتُ باستغراب وشبه توسل : إنها خمسة قروش يا عم .

أزاح وجهه عني بلا مبالاة ، ثم قال : لقد أصبح ثمنها ستة قروش .

أخذت الخمسة قروش من الرجل . وضعتها في جيبي . سرت باتجاه الباب ... بكيتُ .

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى