محمد كمال سالم - حبيبتي..

قلبي الأخضر الغض أحب، وحبيبتي كانت قريبتي وجارتي.
ولدت معي فى نفس العام، وفى نفس العمارة، ونشأنا معاً، أطفالاً نتشاجر ونلعب، وصغاراً نستذكر سوياً ونقتسم الحلوى، وفى شرخ شبابنا اعتدتها، وتبدل الاعتياد لشئ أعمق لم أعرف كنهه،
وعرفته يوم همست لى ، (أحبك)
مادت بى الأرض يومها ولم تستقر.
وتواعدنا، وتعانقت راحتانا ومشينا متلاصقين، أغنيها، وكنت إذا ودعتها يبقى شذى عطرها فى يدي حتى موعدنا الجديد، فعطرها كان نادراَ غالياً، يأتيها عبر أختها الكبرى المتزوجة فى بلاد العطور، وافتضح سرنا البريء، فباعدوا بيننا ولم تفلح لرؤيتها كل أسبابي وعلاتي.
وطال غيابها وطار إليَّ خبر خطبتها، ستتزوج وتلحق بأختها الكبرى فى بلاد العطور.
وأصبحت المسافة بيني وبين جارتي القريبة لا يمكن تجاوزها.
وسافرت ، وحزَمت فى حقائبها بِكر أحلامي وحلو أيامى.
محموم طريح فراشي أنا، يعتصر قلبي بين أضلعي، وعقلي ينزف ذكرياتي أشواك فوق وسادتي، يمُر بي أخي الأكبر يقبض على شعري معنفاً، ستمزق فؤادك مبكراً، وامتزجت نظرات أمي بين تأنيب وإشفاق، أترفع يدها لوجهي وتصفعني؟!
أم تكفكف دمعي، ولحظة أن ضمت رأسي إلى صدرها، هوت روحي من السماء السابعة.
حجبوا أخبارها عني، وغابت، وأستشفيت بألف قصة حب ملهية.
ومن هواها ظننت أنى قد برئت.
وبعد .. اليوم يمتلأ بيتنا بالجيران والأهل والأصدقاء، فاليوم عُرسي أنا، وأصحابى يحيطون بي يعاونونى لإنهاء زينتي حتى ألحق بحفلي.
فإذا بها عند الباب.
نعم هي حبيبتي.. شهق الحضور لما رأوها وأفسحوا لها طريقاً إليَّ، تتخطى الزحام نحوي تتهجى خطواتها تتحسسها وكأنها بحافة شاهق، وفى خطواتها هنا، سافرت ذاكرتي هناك حيث سنواتي الصريعة على يدها، ورأيتها وكأنها تأتيني فى موعدنا القديم بفستانها الهفهاف المنقوش بزهرات الياسمين، وشعرها المتهدل فى نعومةِ لا يهدأ، لا تنفك تلملمه بأناملها عن جبينها وأهدابها، وبغمازتيها الباسمتين صارت الآن أمامى، وأنا غير مصدق، بسطت لي راحتيها فعانقتهما راحتاي عناقهما القديم، وسألتها فى صوت متهدج :
أنتِ هنا إذن ؟
قالت باسمه : جئت من أجلك، فرمقتها:
كاذبة.
قالت مداعبه :
أين ذهبت وسامتك ؟
قلت : سافرت إلي بلاد العطور منذ سنوات. تجهمت ورفعت يديها لرابطة عنقي لتعقدها. فتعلقت يدي بساعديها وقلت : اعقديها جيداً فإن تحتها جرحاً لا يندمل.
فبرقت عيناها وأطرفت وأحكمت عقدتها، ثم جذبتني منها إليها حتى ظننت أنها ستقبلني، لكنها همست فى أذني:
دعنا لا نتألم بعد اليوم وغادر أحلامى (مبروك)
وعادت لتعانق راحتيَّ مودعة، واستدارت منصرفة بين همهمات الحضور، لرؤية الفصل الأخير لقصة يعرفون فصولها، وبين نظرات أمي الرافضة لزيارتها، وبين شوقي المستعر، رفعت راحتي أتشممها فوجدت شذى عطرها هناك، وكان هذا آخر عهدي بها.
وتزوجت أنا، وأحببت زوجتي .. وأنجبت .. ومضى العمر سريعاً .. وتزوج أبنائي.. والآن فى لياليَّ الجدباء القاحلة، تأتيني فى حُلمي بفستانها الهفهاف المنقوش بزهرات الياسمين، تبسط ليَّ راحتيها بغمازتيها الباسمتين وتقول:
أنا أنتظرك .. أنا على العهد .. تغمرني .. تملأ كياني .. أستشعرها فى كل وجودي .. أصدقها .. أصحو .. أبسط إليها راحتيَّ فلا أجدها. يُعتصر قلبى بين أضلعي .. أرفع راحتي أتشممها .. فلا أجد شذى عطرها ...


محمد كمال سالم.



  • Like
التفاعلات: أماني عز الدين

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى