أمل الكردفاني - الحمار الرمادي

✍ إنني لم أكره -في حياتي- مثل شكل الحمار، وخاصة الحمار الرمادي. التصق شكل الحمار الرمادي عندي برفسة تعرضت لها في الطفولة وبشمس الظهيرة وقيظها، والتراب الذي يلف الأرض مع ذرات الأوكسجين. الحمار الرمادي ذو سحنة فقيرة شاحبة ترتبط ببيئة فقيرة شاحبة. تبدو الحياة فيها كهلوسات السيكزوفرينيا. والفقر هنا ليس فقراً في الحداثة، بل فقراً في الطبيعة نفسها، في حيويتها، إذ تبدو كما لو كانت مصابة بالأنيميا. البيوت الترابية الموزعة بين الكثبان الصفراء، وامرأة تسير بوهن وعلى رأسها بقجة من أشياء لا قيمة لها، وهي تسير بلا أمل والهواء الترابي يصفع وجهها وساقيها النحيلتين. هذه البيئة الملقاة على طرف المعنى الإنساني؛ أراها في عيني الحمار الرمادي، الذي ينسال من حرف عينيه الأمامي قذىً كما لو كان يبكي وجوده في اللا وجود. وحين ينهق كما لو كان يغلم، يرتفع صهد الشمس فوق الأسطح الجافة كتاريخ الحضارات البائدة. وتتبدى للنظر خرائب كائنات عاشت قبل آلاف السنين فيها. يخرج نهيق الحمار من بطنه، فهو يتقيؤه تقيؤاً، ويجره من بعد خروجه ليرده إلى داخله فلا يستطيع. ثم يظل واقفاً في مكانه، جامداً، هكذا طوال النهار، فيضحى جزءً من قتامة المشهد.
أي قوة تلك التي يملكها الحمار الرمادي، وأي صبر، وأي بؤس أصبح محايثاً له فكان رمزاً للتواضع والإحتقار في نفس الوقت.
إن الحمار الرمادي ليس غبياً بالمرة، بل هو ذكي، ذكي كعامل يعرف كيف يؤدي عمله بلا شكوى، ومع ذلك، ودوناً عن سائر الحيوانات الخادمة، لم يتم تقديسه. لقد قدس الإنسان الأبقار والثيران والحصين والجمال وحتى الديكة والقطط والأسود والأفيال والأفاعي..ماعدا الحمار. الحيوان الذي كان أكثر الحيوانات عطاءً، لم ينل أي احترام ولا تبجيل ولا تقديس.
ليس لشيء سوى أنه لم يملك أبداً شعوراً بذاته. ومن لا يملك شعوراً بذاته، يستعبده الإنسان عبودية ممتزجة بالكراهية غير المبررة..بلا أي عطف ولا تقدير..
-----
(ملاحظة: لا يوجد أي إيموجي للحمار العادي على الواتس ولا اي تطبيق آخر) وربما كان ذلك حتى لا يتم استخدامه لشتم الآخرين.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى