محمد فيض خالد - ليلة النبي

ظلّ لشهورٍ يُمنيّ نفسه بما هو آتٍ ، أيامًا قلائل تفصله عن صبوةِ نفسهِ، لقد اكتظت دروب القرية واغرقت أزقتها بالبيارقِ والرّاياتِ السّود والحُمر والخُضر ، والخلق في هيامٍ يتواثبون من حولها في تمايلٍ ونشوة ، وأعينهم تفيضُ بالفرحِ والحبور ، وفي نفسٍ واخد يُرددون : اللهم صلّ عليه..
استفزه الشوق فجأة ، فجرى ناحية السلم الطيني الذي توسّط البيت يطوي درجاته ، تلفّت من حولهِ قبلَ أن يدسّ يده في بلاصٍ قديم ، كانت والدته قد نحّته جانبا منذ أمدٍ بعيد ، انتزع السدادة من فمهِ في لهفةٍ ، وألقى بيدهِ في بطنهِ ، حرّكها سريعا سريعا وهو يرمي بأذنيهِ في سعادةٍ ، واساريره منبلجة كلّما تحرّكت أنامله تعبث في باطنهِ.
اعادَ كُلّ شيء لسيرتهِ الأولى ، قبل أن يقفز فرِحا في مكانهِ ، نزلَ مُسرِعا إلى الدّربِ ، انتزع جريدة يابسة عُلقت بها خرقة خضراء متسخة ، قبضَ عليها بإحكامٍ ، جعلَ يحركها يمنةً ويسرة في عنفوانٍ ، والدفوف من حولهِ تلهب سمعه ، ورجال تناثرت شعورهم يلهثون من حولهِ في نشيجٍ ، وقد اختلطت أصواتهم في نعمةٍ واحدة : الله حي .. الله حي .. الله حي .
لحظات وغابَ عن المشهدِ برمته ، مدّ يده يُقلِّب بين طيات ذاكرته وحنايا رأسه؛ عن أمنياته القديمة التي خبأها وسط ثروته المستقرة في بطنِ البلاص ، فغدا الليلة الكبيرة ..
مشى وسط الجمع ، وكلّما علت الأهازيج ، وصخبت الدفوف ، كلّما اهتز نشوانا ، يعدّ في سرهِ صنوف المأكولات والألعاب ، تملصّ من أحلامه وعادَ يُردّد مع الجموعِ نشيدهم : اللهم صلّ عليه .. اللهم صلّ عليه ..


تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى