أحمد الوارث - وتم المراد..

مضى عام على زواجهما، وكاد ثانٍ أن ينصرم، لذا صار الزوج منزعجا، قلق المزاج، يتحدث كثيرا عن رغبته في الخِلْفَة... وباتت غمزاته ولمزاته تقضّ مضْجَع الزوجة .
كَشَفَت عَنْ المستور لأسرتها بحثا عن السند، فصاحبتها أمها إلى عيادات ومَصَحّات ومشافٍ، عامة وخاصة، دون كلل. وأجرت تَحْلِيلاَتٍ وفحُوصَاتٍ ...
لما أعيا الدَّاءُ المريضة، شكت همَّها إلى جارتها، التي أقنعتها بأن تقفو أثرها، وتزور ضريح : سيدي مولاي، رجاء أن تكون بركة الولي عونا لها، هي الأخرى، في كربتها ...
قبلت النصيحة، ومعها الوصية بضرورة القيام بالزيارة ليلة الخميس،
اشترت بخورا وشمعا وسكرا وديكا وألبسة جديدة، وقصدت الضريح في الوقت المحدد،
سلمت القرابين للحفيظ، الذي مسح على رأسها ودَعا لَها بِالبَرَكَةِ، واتجهت رأسا إِلى قَلْبِ الضَّريحِ ، وتَمَسَّحت بِالأرْضِ خمسا ، وشرعت في الطواف بالدربوز، اتباعا لسنة الزيارة، وكلما بلغت ركنا من الجَوانِبِ الأرْبَعَةِ قبلته ثلاثا ، وبين الفينة والأخرى تضع يديها معا على الغِطاءِ الأَخْضَرِ تبركا بملامسته، حتى أكملت سبع دورات، وهي تردد ما يجول في خاطرها.
بعدئذ، لحقت بالحفيظة في حمام خاص، حيث ساعدتها في الاستحمام بماء العوينة المباركة، ورمت بالبَخُورَ عَلَى جَمْرِ ملتهب في مِجْمَرٍ، ووضعت المِجْمَرَ بين رجلي الزائرة حتى َيَتَصَاعَدَ دُخَّانُهُ بين فخذيها، و ارتدت ألبستها الجديدة، ثم ألقت بثيابها الداخلية القديمة على سدرة الضريح، مترجيةً الخلاص من النحس، الذي يقف حائلا دون حملها.
بعد أن تعشت انضمت إلى الزائرات ، ثم جاءت الحفيظة ، وطافت عليهن بأكواب وأباريق فيها محاليل مباركة، ونامت قريرة العين نوما ثقيلا ... وقبل أن تغادر ، في الصباح ، لطخت يديها بالحناء، واشعلت شمعة ، وتوسلت أن يتحقق مرادها...
كانت فرحتها عارمة لما لم تحض الشهر الموالي، وكانت فرحة الزوج لا توصف لما تأكد الحمل ، وبخاصة عندما وضعت ذكرا ، وارتقى مقام الجارة لدى الزوجة باعتبارها صاحبة الفضل...
ذات مساء ، جلست الجارتان حول صينية : شاي وحلويات ونميمة وتنكيت في الكلام ... بينما ابناهما؛ يجريان حواليهما، وفي لحظة ضحكا بشكل أثار انتباههما...
حدقت الأولى فيهما طويلا ودققت ،... ثم التفتت إلى جارتها ولاحظت أنها مذهولة ، فهمهمت :
- يا إلهي إنهما يتشابهان في كل الملامح.
نظرت إليها الجارة ، وقرأت همهمتها، وقالت في نفسها :
- يا إلهي إنهما يشبهانه ...
ثم وقفتا معا في ذات الوقت ، وحملتا أغراضهما ، وأخذت كل واحدة بيد ابنها ... وانصرفتا على عجل، كأنهما تهربان من لهيب نار ملتهبة.





* القصة الفائزة بالمركز الأول في مسابقة القصة القصيرة ، لمجلة العربي بالاشتراك مع إذاعة مونتكارلو الدولية (عدد 690 - شهر مايو 2016م) ------

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى