عبدالله السلايمة - دعوى لا تحتمل التأجيل

مازال أبى يُصِّر على أننى، منذ تركت ربوع البادية وأقمت فى المدينة، صِرتُ أتعامل بلامبالاة، يسمونها فى البادية «همالة»، مع قضية يعتبرها البدو حساسة ومصيرية، ويرونها لا تحتمل التأجيل، بل إلى ترجمة فورية وحاسمة لمقولة «هاملت»: «أكون أو لا أكون».. ومازال يعتبر المدينة ألد خصومه، ولا يمل من تكرار ندمه على أنه لم يُحسن تأديبى، ولو كان قد فعل، لما تجرأت على استبدال ثوب بداوتى بثوب مدينة يراه البدو مليئًا بالثقوب..! كلما تذكّر جرحه لرجولتى وكبريائى أمام عروسى «الحضرية»، فى ذلك اليوم والذى غادرت فيه مضارب القبيلة، يجز على نواجذه ندمًا، ولكى يكفِّر عن خطيئة التى يصفها دومًا بالفادحة، لم يتوقف عن محاولاته إعادتى إلى رشدى، ولمّا يئس، هددنى غاضبًا: بأنه سوف يعلن «تشميسى»، إذا لم أتعقّل وأعود للإقامة بينهم. وهدد مُقسمًا برأس جدى: أنه سوف يلقِّن المدينة، التى لا تكُف عن إغواء أبناء البادية درسًا قاسيًا، فربما تتعظ وتتخلى عن غطرستها، ونهجها الخبيث فى محاولة إعادة صياغة البدو، وتغيير ملامحهم الأصيلة!. ولأنه لا يأمن غدر سياستها الاستحواذية، ولا يعرف ماذا تخبئ له ولأولاده وأحفاده فى قابل الأيام، جمع تلك الحشود فى ذلك اليوم، وأخذ يخطب فيهم، قائلاً: إنه قد جمعهم لينبههم إلى ضرورة اليقظة الكاملة من ذلك اليوم فصاعدًا، لإفشال مخططات المدينة طويلة المدى، ومساعيها الحثيثة لتذويبهم والهيمنة عليهم، وإبطال مفعول كل أسلحتها الشيطانية التى تفاجئهم مع إشراقه كل شمس بسلاح جديد منها.. ولكى يضمن استمرارية دعمهم له، حذّرهم قائلاً: أن طوفان خطر المدينة القادم، ربما لا يستثنى منهم أحدًا، لذا لابد من ضرورة اتخاذ الحيطة والحذر، وإعداد العُدة لإيقاف مده قبل أن يجرفهم جميعًا. ووجدت نفسى فى وضع لا أُحسد عليه. لم يكن سبب غضبى منه، ما أثارته خطبته من سخرية حملتها نظرات البعض إليه، واتهامهم له بأشياء أراها لا تليق بشيخ قبيلة مثله، بل لأنه لم يستثمر مقدرته المذهلة فى جمع هذا الحشد، الذى كان كفيلاً، لو أخذ بمشورتى، بضمان فوزه بعضوية البرلمان. وليته اكتفى بذلك، بل زاد الطين بِلة برفضه القاطع لنصح بعض حُكماء البدو: بأن يتراجع عما فى رأسه، حفاظًا على هيبة الجميع. وما كاد يسبب لى الجنون، أنه مازال يُصِّر على رفع دعواه ضد خصمه المدينة، مؤكدًا أنه سوف يتهمها بتهديدهم مع سبق الإصرار والترصد بالموت البطىء. ولايزال يأمل فى العثور على محام يتبنى قضيته، وقاض يؤمن بها. أما أنا رغم إشفاقى عليه من تبعات إصراره المُستميت على مواصلة خوضه قضية، يقبض خصمه على كل خيوط الفوز بها، إلا أننى مازلت غاضبًا لإضاعته فرصة فوزنا بعضوية البرلمان.......................................

> التشميس: هو تخلى القبيلة عن حماية الفرد الذى لا يلتزم بقانونها

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى