عبدالأحد أبو دريقة - إلى ليلى

_ 5 _

التقيتكِ في الحافلة
كما التقيت بالغيمة
استمرت الحافلة واستمرت الصدفة
صرت إثنين في الغيمة
أتهاوى
أعيد الأغنيات إلى ينابيعها
وأخرج صامتا إلى شرفة القُبلة
أنبش تاريخها وأرسله حلما للمياه
فأرى الكلمات ترسخت نباتا بريا ونجمة ساهرة
*
كنا إثنين
وحّدنا وترٌ كوْني
نقطة بعد نقطة كبرنا
وخرجنا من أرخبيلات عكرة بالتراب
إلى مجاز بعزف مختلف
الجسر هش أحيانا لكن ، الرغبة تستمر ،
وتقاوم
*
الحب فكرة
- قال "بيسوا " -
لكنا خبرناه جناحا خفيا داخل عزلتتا
خفيفا على أوراق العشاق
يحلق في الأعالي
ويفيض من الينابيع الأولى
مزهرا برعشات الفرح
*
لم نخن البداية
إنما للغيمة شهوات ،وللروح شطحات
وحدها الصدفة تسير بنا
ونحن نشعلها
يطمع العشاق أن يشبهوا الوردة
أنتِ يا أنا نطمع أن نرفعها
طريقا للعابرين
وكأسا لحماية الفكرة ، واعتدالها في الهواء
*
اقتربنا من النشيد
نشيدنا الأوفى لكل عناصر الحياة
سهرنا كثيرا على ضوئه
ورأينا اقترابنا في قوة الذوق
كم أتيناه وشربنا
وغادرَنا بعد كل فجر !
وفتشت عنه كل صباح فوجدته ينام بين يديك
في عطشي
في انفصالنا
وفي كل وقت أشرد فيه
في كل صوت يأتي من جناح
من ظل أوحجر
أو من شجر أسال فضته عليِّ
حفر على قلبي مقامه
وقال لي :
وثق خطاك في الحبين
ومدد صمتك في حنجرة الكون !

*
طال عزفنا ولم نجد نهاية غير بداية أخرى
تأخذنا إلى وجهة للمطر
إلى ضوء يتراقص دهشا خلف ستائر النافذة
ويحرك داخلي حياة مجنحة
لم أقرأها في كتاب
عناق وعطر يوزع خطاه على الأيام
ويرشدني أن أفتح بابا للعشب في
حديثه للندى
*
عذبة أنت
كقطرة تهبط من أعالي الغياب
تمنحني نورا
يمرغني في غبطة الوقت
فلا أشفى من سفر ومن خيال
ومن أرض تؤثثينها بكل ما استطعت
من عسل وهواء بري
يجعلني حيا في داخلي
إن نمت أو تمشيت في الشوارع والصور
*
عذبة أنت
مغرية كلغة الشفق
ما حاجتي لي ؟
سلّمت لك ارتدادي في اقتراف الخاتمة
اشتباكي في لغة على رخام الوجود
متعبة تتحمل ذاتها
ابتعادي عن رغوة الريح ،
وحرية اختلافي في المحال
خذي هذي الذاكرة
التي استحالت إلى نسيان وسراب
تجاعيدي في تأويلات ابن عربي
قهقهاتي من شوبنهاور في مسلخه
لرحم الخصب والأنوثة
قرفي من سيوران يمد كل خطوة إلى الموت ، ويوصي أن نشمه
تعثري في الاتزان
أوجهي التي انسربت في الميلان
ولم تتخذ جهة فارغة
وهذي الرأس التي ذابت في أسرار المعنى
خذي الحب أغنيتين
وصالا وانفصالا لا يسقطان في فراغ
وشتتيه عليّ
لنمشي في ما سيأتي
حاضرين غائبين
لا شيء يأسرنا دهشة
إلا مايكملنا موجة
حروفها تحرق زوارقها في معنى يُحد
فلتسقط تآويل القشور
وليصعد الغيم الذي يحير ونتشهى!
*
سنمشي ما تبقى من هذا الطريق
معافين من الخطإ والحقيقة
ومن غبار الأشياء
سنسحب حكايتنا من أرشيف الحبر
إلى هواء يأتي من شفق
ومن حرير
يلعب فيه الخيال
ويدخلنا غيمة لا تحار ولا تفنى ..
ثم ننام
*
عليك السلام
من أول صدفة حتى آخر غيمة
تدق وترا في دمي
وترسم تفتح أصابعي في النهر
عليك السلام
يا سيدة أشعلت الأيام بسر الماء
في رحلة الصدفة حتى ضحكت الغيمات
ثم نزلت حروفا في عنصر الهواء
فتحتِ كل الأبواب
فسِرتُ حتى سماني الوقتُ : الذوقُ
*
بيني وبينك شريعة غامضة
لا معبد ولا هياكل لها
أبعد من خرائط الجسد
وأقرب من لذة غياب في عين الفجر
صقيلة كصوت يتدفق في صباح البراري
وينساب إيقاعها إلى صورتين
ولا ينتهي إلى خاتمة

٠١/ ٢٠٢١

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى