أحمد رجب شلتوت - قطط ضالة جائعة

استند الرجل الخمسيني بيده على حافة الصندوق المعدني، مال على الصندوق محدقا في محتوياته، لم تفزع القطط الثلاث الباحثة عن رزقها. بدت وكأنها تعرفه، تألف ملامحه المكدودة وشعره الأبيض الأشعث.

أفسحت القطط لكفه مكانا دون أن تخمشه، فشاركهن التنقيب، يقبض على كيس بلاستيكي لم تصل له القطط أو عافته، يرفع الكيس خارج الصندوق، حاول أن يفتحه برفق لكن الكيس تمزق، أخرج محتوياته، وجدها مجرد خرق بالية لا تصلح لشيء، راح يعيدها تباعا إلى الصندوق، وكلما رمى قطعة تتقافز القطط مصدرة مواء خافتا، وفي النهاية استبقى فوطة كانت صفراء اللون، يفردها أمام عينيه، يرى أربع وردات كبيرات، فقدن لونهن الأصلي واهترأن، نفض الفوطة مرتين ثم أعاد تأملها، أحزنه تهرؤها، قطعها إلى نصفين، ألقى بأحدهما في الصندوق ثم أعاد النظر في الآخر، قطع نصف وردة، تبقى في يده قرابة ثلث الفوطة، لا يكفي لتجفيف وجهه، لكن ستكون له فوائد أخرى.

***

يطوي ما بقي من الفوطة ويقف منتظرا، تبطئ سيارة فارهة من سرعتها تدريجيا، تتوقف غير بعيدة عن الصندوق، يخطو الرجل باتجاه السيارة، السائق يتحدث مع امرأة أربعينية متأنقة ولم تزل جميلة، يراها تغادر السيارة، تحمل كيسا بلاستيكيا منتفخا، يناولها السائق كيسا أكبر، تحملهما كل بيد، وتمشى بتثاقل نحو الصندوق المعدني، يبتسم الرجل ويقترب من السيارة، يفرد الفوطة ويبدأ في مسح مقدمة السيارة، يصدمه رد فعل السائق:

_ لا ، لا، بلاش

لكن الرجل لا يتراجع، يواصل المسح بالفوطة بينما السائق يشير له بأن يكف، يتجاهل الإشارات وتصعد الفوطة إلى الزجاج الأمامي، ينفث السائق دخان سيجارته بغيظ، ويطلق صوت الكلاكس مرتين قبل أن يصيح غاضبا:

_ قلت لك بلاش، ما ينفعش اللي بتعمله.

يتوقف الرجل، يرد بمسكنة:

_ معذور يا بيه، لسة ما فطرتش، والله جعان من امبارح.

تعود السيدة الأربعينية إلى السيارة، يشير له السائق، يتنحى عن طريق السيارة التي تزمجر مبتعدة، فيتابعها الرجل بأسى حتى تختفي، وفجأة يتذكر أمرا فيهرع إلى الصندوق.

يهش القطط بغلظة، فتبتعد عن الكيسين، يضع الكيس الأثقل بين قدميه، ويفتح الثاني بحرص رغم أنه تضرر من الخمش العنيف للقطط، لعلهن شممن ما بداخله، يخرج لفافة ورقية، يفتحها، ثم يعيد تكويرها وبعنف يرميها في الصندوق، تبتعد القطط ثم تنقض عليها، يعلو المواء وتتصارع على بقايا السمك، يضربها باللفافة الثانية، ثم الثالثة. كان الرزق وفيرا فكفت القطط عن التصارع، فرماها بالكيس بعد أن أعاد قراءة اسم المطعم.

ينحني رافعا الكيس الثاني، يضعه فوق حافة الصندوق، وقد انخفض سقف أمانيه، يضرب القطط بمحتويات الكيس، فتفر مبتعدة، يتنهد بأسى، لم يبق له من محتويات الكيس إلا الكيس نفسه، وزجاجتي مياه معدنية إحداهما فارغة تماما، والأخرى بها من الماء ما يكفي لنصف كوب، خامة الكيس متينة، سوف ينتفع به، مكتوب عليه بحروف أجنبية، يتحسسها بأصابعه، يطوي الكيس بعناية، يثنيه عدة ثنيات ويدسه في جيبه، يفتح الزجاجة يرشف على مهل ما بها من ماء، يخرج الكيس من جيبه، يضع فيه الزجاجتين الفارغتين، يمسكها بيسراه، بينما اليمنى تلوح بالفوطة وهو ينطلق باتجاه سيارة فارهة تبطئ من سرعتها.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى