محمد الرياني - رحلةُ الحبِّ

متزوجانِ ، أُقيمَ فرَحُهما في فناءٍ مفتوح ، القمرُ هو الذي تكفَّلَ بالإضاءةِ في جانبيْ الرجالِ والنساء في ليلةِ العُمر ، الفتياتُ يرقصنَ طربًا في وجهِ العروسِ التي أجلسوها على سريرٍ مرتفع ، بينما هو في منتصفِ الحضورِ بثوبِه الأبيضِ وبشتِه الذهبي وقد أحاطوا رقبتَه بعقدِ فلٍّ جَمعوه من بيتِ الجيران ، مرَّتِ الأيامُ والليالي ، بقيَ القمرُ مُطلَّا في كلِّ شهرٍ يجدِّدُ لياليهما ، تغيَّرَ كلُّ شيءٍ من حولهما ، أزيلتْ الغرفةُ الصغيرةُ وبنوْا مكانَها بنايةً بطابقين ، دخلا عُشَّ الزوجيةِ وهما اثنان فازدادا عُمرًا وتَفرَّعا ، ولدتْ بنينَ وبنات ، اختلفا في لونِ الغرفة ، هي تريدُ اللونَ الناعمَ الورديَّ وهو يُفضِّلُ لونَ الخُضرةِ ثمَّ اتفقا ، ذهبا يشتريان عطرًا ذاتَ مساء، أرادتْ أن يكونَ العطرُ نسائيًّا كونُها امرأةً تريدُ أن تستروحَه في أحضانِه وأنفاسِها ، وأرادَه رجاليًّا كي يحتفظَ بقيمتِه فاقتنعتْ بعطرِه المفضل، لم يتمالكْ نفسَه من الحُبِّ فأهداها عطرَها المفضلَ النسائي وعادا باثنتين بدلًا عن واحدة ، وفي ليلةٍ من الليالي وهو مسترخٍ على السريرِ وهي تنامُ بجوارِه بهدوء ، رأى رحلةِ العمرِ التي مرَّتْ تطوفُ أمامَه حتى وصلتْ به في النهايةِ إلى بعضِ التجاعيدِ والشيبِ، فتحتْ عينيْها في نظراتِه البعيدة ، رفعتْ رأسَها مستندةً على مُؤخرةِ السريرِ وهي تسأله ، ماذا تصنعُ في هذا الليل؟ أمسكَ بيدِها وقد غرقتْ كفَّاه بالعطر ، قال لها لاشيءَ ياعزيزتي، كلُّ مافي الأمرِ أنني سَهرتُ أتفكرُ في بيتِنا الذي تغيَّرَ كلُّ شيءٍ فيه باستثناءِ حبِّي لك ، قامتْ نحوَ عطرِها لترَشَّ عليه وخيالُه يعودُ إلى ليلتِهم القمريةِ التي تزوَّجَا فيها، لم يناما بقيةَ الليلِ من الفرح، قالتْ ماذا قُلتَ لي قبلَ العِطر؟ قال لها : تغيَّرتْ كلُّ تفاصيلِ عُشِّنا الذي سكناه ؛ لكنَّ حبِّي هو الذي بقيَ على حالِه ، أمسكَ بيدِها ووضعَها على صدرِه لتتأكدَ بنفسِها

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى