فيصل سليم التلاوي - جُمعة

إلى جمعة ذياب وقد التقينا غريبين في مستشفى بعيد


لم أكن أعرفُ جُمعهْ
قبل أن يُرهف ملهوفًا إلى نجوايَ سَمعَه
عندما حدثته عن منزلٍ في كنفِ " الطور"(1)
به قد كان لي أهلٌ وأصحابٌ و" جَمعَه"
وعن الغاصب والسمسار قد ساومنا دهرًا
فما لان أبي يومًا
ولا هان على أميَّ بيعهْ
غير أني مثلما تُبصرني
أذرع أرض اللهِ
قد أمضيت عمري حالمًا يومًا برَجعهْ

ولقد أبصرت" جُمعه"
ذاهلًا مختلجًا يَحبسُ دمعه
عندما أخبرني:
كان له في حضن" حرمونَ"(2) الجنوبيَّ
الذي يرنو إلى البحر الجَليليِّ (3)
على الخاصرةِ اليُمنى، ببطن السفح
بستانٌ وضَيعه
ومضى"حرمون" ما خلَّفَ لي من يومها
غير تباريحٍ ولوعهْ
ونضا من يومها ما عمّمَ الثلج به هامته
حسنًا ورَوعه
فكلانا يا صديقي جاء من خربة " خَزعة"(4)

لم أكن أعرف" جمعه"
قبل أن يَذرف من عينيه دمعه
عصر ذاك اليوم
إذ عانقني في صالةٍ
تستقبل الآتين من موتٍ إلى دنيا الحياة
عبروا البرزخ إذ عادوا إلى أحبابهم بين رجاءٍ وصلاه
يومها امتدت ذراعا صاحبي الملتاع " جمعه"
بالتهاني والأماني
وتعانقنا طويلًا
فكلانا كان يذوي مثل شمعة

وافترقنا في مساءٍ يوم جُمعه
إنني أذكر يومًا ودّعتنا يدُ " جمعه"
لوّحت من وجدها أيدٍ
ورَفَّتْ أعينٌ شوقًا ولوعه
ذلك الرَوعُ الذي جَمّعنا من كل حدبٍ
إخوةً يصهرنا الخطبُ
فينسى كل موجوعٍ شكاواهُ ورَبْعَه
ذلك اليوم الذي استودعتُ فيه الله في بغدادَ
أحبابًا وأرواحًا وأشباهًا لـ"جُمعه"
كلما أذكرهُ تنهلُّ من عينيَّ دمعهْ



( 1 ) الطور: هو جبل الطور أو " جرزيم " الذي يحد مدينة نابلس من الجنوب
(2) حرمون هو جبل الشيخ

(3) بحر الجليل هو بحيرة طبرية

(4) خربة خزعة : رواية للكاتب الصهيوني " يزهار سميلانسكي "تصور الاستيلاء

على قرية عربية وطرد سكانها والحلول مكانهم .



12/10/2000

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى