أريج محمدأحمد - حنين.. قصة قصيرة

تخبرها الأيام بأن ما تبقى من أحلامها يشبه تماماً الزنبقة التي شربت ماء الملح من عين الرجاء ومازالت على قيد الحياة ولكن بلا عطر، وجديلة الشعر التي زركشها الأبيض بخيوط الفجر تبتهل في صمت لأن تعاود نثرها على مجرى النسمات فتبدو وكأنها موج من ليل يتوق لمعانقة وجه القمر فترده أصابعها في خجل ...

ومن مرآتها يخرج النص الذي عجزت عن معناه اللغة مترفاً بالعشق معتقاً بالبنفسج محتشدا بالمجاز الذي يغيب الحقيقة ويوارى المعنى الكامن في روحها كمسارات ترافق قوس قزح لا تلبث أن تهيئ وضوحها لتعاود الاختفاء من جديد ...

فكرت وهي تحتسي قهوتها المرة على مهل أن فعلها تماما كالخمر ، التي تسكر الوجع فيخرج طافحا بطعم الهذيان أخرجت القلم وبدأت تدون أنه :

هنا وهناك وبين بين حيث لا إدراك ولاوصول

وأن ذاكرة الإنتقاء هي التي تصرف الإنتباه عن الحاضر المقيت حسب رغبتها

وأنه بين النور والنار والحريق والضوء ظلال ترقص على سجادة الرماد

وقلم وورقة

وحديث لا ينتهي حتى يبدأ

صرخة وصدى

شفاه وكلمات

عيون ودموع

وتوقفتُ هنا وبدأت تداعيات ذاكرة الإنتقاء تباغتني ، أغمضتُ عيني وعدت الى ذلك اليوم البعيد بحساب الايام القريب بحسابات الوجع .

في أحد شوارع لندن كان يتجول وحيداً وكالعادة ولأنه يعرف مدى عشقها للمطر فتح المظلة بيد وبالثانية ضغط على زر الإتصال .. قال : إنها تمطر

قالت : أحبك

قال : وبعد

قالت : مد يدك وتلقى نقطتين من المطر لأجلي

قال : فعلت

قالت : وبعد

قال : أحبك أكثر مما تتخيلين

وانتهت المكالمة

كانت تبتسم وفجأة غامت الرؤية بعينيها أرجعت رأسها للخلف مستندة على مقعدها الهزاز وبدأت تكتب في صفحة الأفق ، هل مازلت تذكر نقطتي المطر ؟ أنا أذكر ، وهل تعلم أنهما الى الآن هنا ؟

نعم تلقيتهما لأجلي بيدك في لحظة حب وزرعتهما دمعتين في عيني الى الأبد في لحظة تخلي ، من يومها توقفت عن البكاء إذ أنني أخشى عليهما من السقوط ، فكل ما جاءني منك سيبقى غالياً حتى إن كان دمعا ، ولأحيطك علماً بشقائي بهاتين النقطتين أن بقاء الدمع في الأعين يحرق ، يؤطر الرؤية بسياج من ملح فتتآكل تفاصيل الأيام والساعات ، تختفي بعض ملامح وجودي شيئا فشيئا ، يصيبني النقص بالتعثر بين صور لا بدايات لها وأخرى بلا نهايات ، يتقاصر الضوء عن مدي بالحقيقة الكاملة لكل ما حولي ، أصحو في كل يوم ومساحة الإبصار يأكل منها وحش الملح جداراً وباباً ومسارباً لضوء الشمس والقمر ، هو لا يشبع يؤكد لي حقيقة الأمر

وكهذيان أخير بطعم الخذلان أدرك أنك تزرعني دمعاً وأحصدك عمى وأنك ستبقى واقفاً هناك الى الأبد بيد مرفوعة للأعلى بلا مظلة ، تستجدي السماء أن تمطر يحاصرك صوتي الذي بقى عالقاً في ذاكرتي بكل تفاصيله من الهاتف الجوال أنا أحبك ...


أريج محمدأحمد _ السودان

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى