أحمد عبد الله إسماعيل - طلب صداقة.. قصة قصيرة

تلقيتُ قبل بضع ساعات طلب صداقة على الفيس بوك، وأهديت صاحبته باقة ورود؛ فأمطرتني بوابل من الرسائل، تشكرني على قبول صداقتها، وتدعي أنها رقيب بالجيش الأمريكي، ضمن قوات حفظ السلام الدولية في المنطقة، ثم طلبت التعرف إليَّ، وسألت عن معظم تفاصيل حياتي!
برغم أنني لم أكتب في ردي كلمة واحدة عن نفسي، فوجئت بإصرارها على التواصل معي، وأقسمت أن تحبني، حتى آخر قطرة من دمها، وقالت إن مهمتها في سوريا ستنتهي بنهاية الأشهر الثلاثة القادمة، وتود قضاء إجازتها معي؛ إذ تخطط لتنفيذ مشروع استثماري تجاري في مصر، وسوف تديره بمساعدتي.
ولأنها لا تمتلك الجرأة الكاملة لفعل ما تريد، سألتني إن كان بإمكانها الوثوق بي، وبشغف وحماس أرسلت لها رسالة -أسرع من قطار مندفع- بأني لا أعبث بميثاقي!
أجابت في رسالة على البريد الإلكتروني:
-«تئنُّ سوريا تحت وطأة العقوبات، ونتعرض للهجوم الإرهابي باستمرار. منذ أسبوعين، عثرنا بالمصادفة، خلال إحدى المداهمات، على خزينة تحتوي على مبلغ ضخم من المال، وقد تم الاتفاق، من قبل الضباط الستة الحاضرين في تلك المهمة، على تقسيم تلك الأموال فيما بيننا، وبلغت حصتي مليونان ومائتا ألف دولار أمريكي.
أطلب مساعدتك، بأسرع وقت ممكن، وقررت استخدام ربع هذا المال لبناء دار للأيتام والمحتاجين الذين دهستهم عجلات الزمن بطريقة أو بأخرى، وكذلك أفكر في استثمار باقي المبلغ، وقررت منحك نسبة ثلاثين بالمائة من الأموال بمجرد استلامها.
ولهذا أرسلت طلب الصداقة فور رؤية ملفك الشخصي، إذا كنت بحاجة إلى توضيح، أبلغني».
تعجبت من تلك المرأة: تريد إخراج مال آل إليها بطريق غير قانوني، واستخدام بعضه في أعمال المعروف!
ارتجفت كثيرًا، و تباطأت في الرد مغتمًّا من تأثير القلق وحدثتني نفسي:
-«قد أكون خائفًا من هذا الاقتراح، لكن الفرصة لا تطرق الباب سوى مرة واحدة، كما أنها قامت بترتيب كل شيء، وسيتم استثمار الرصيد المتبقي في المؤسسة الخيرية، ويمكننا إدارتها معًا.
إذا لم أنزل عند رغبتها، فلن أطرح هذا الأمر للمناقشة مع أي شخص آخر، وسأحذف هذه الرسالة».
تواصلت معها، لكني لم أتمكن من إخفاء قلقي؛ لذا أرسلَتْ جانيت جون رسائلها التالية بعدما غمرها الشعور بالسعادة:
-«أحيي شجاعتك، كما أؤكد أنك لن تندم، وسوف أقوم بتأمين كل شيء، وستصلك الشِّحنة جوًّا في أقل من اثنتين وسبعين ساعة من تاريخ المغادرة.
أريد أن أذكرك مرة أخرى أنها تحتوي على (مقتنيات وأغراض عائلية ثمينة)، وسأرسل بياناتك إلى شركة الشحن؛ لذا يرجى التأكد من صحة عنوان التسليم.
سأقوم فقط بسداد رسوم إدارية هنا، بينما تتحمل قيمة مصاريف الشحن كافة في بلدك، وأريد أن ترسل كل بياناتك الشخصية بالتفصيل الآن.
أتمنى أن تفكر جيدًا في الأحلام التي ستحققها قريبًا».
قرأتُ رسائلها الطويلة إلا أني أردتُ إنهاء الأمر؛ لأني تساءلت: ما الذي يجعلني أئتمن مَن لم أقابله في حياتي؟ لا توجد علاقة ناجحة دون تواصل، ومن دون الاهتمام المتبادل لا يوجد حب، علاوة على ذلك، لا يوجد سبب للاستمرار إذا انعدمت الثقة».
مرت بضع ساعات دون أن أرسل بياناتي، ولدهشتي تلقيت طلب صداقة جديد، تخوفت في البداية، لكن فضولي دفعني للمضي قدمًا، وأهديت إليها الفُل، ثم قالت إنها تعمل مع بنك ستاندرد تشارترد كمدقق حسابات في نيويورك، ولديها عرض رائع لي:
مات أحد عملاء البنك الأثرياء، وبرغم نشأته وحياته في مصر لكنه قضى أكثر من نصف عمره هناك تاركًا وراءه ستة ملايين دولار أمريكي.
توفي إثر نشوب حريق في منزله في شيكاغو قبل عشرة أعوام، وتوفيت زوجته في تلك الكارثة أيضًا، ولم يكن لهما أقرباء، وتواصلت باتريشيا فرانك معي لكي أرث هذه الثروة بمساعدتها بشرط أن نتقاسم المبلغ.
مرت الدقائق في صمت، تتقلص أحشائي والأرض تهتز تحت قدميَّ، وتساءلتُ في وجوم متخوفًا:
-«هل هذه الحسابات حقيقية؟ هل هناك أي علاقة بينها وبين أجهزة المخابرات أو التجسس في الدول المعادية؟ هل من الممكن تخيل هاتفي المحمول بين يدي شخص آخر يطَّلع على رسائلي الشخصية ورسائل البريد الإلكتروني وصوري العائلية، بل ويسجل مكالماتي ويتتبع موقعي ويلتقط صورًا لي في أي وقت أو وضع من أي مكان في العالم؟!
هل تم اختراق هاتفي -عبر طلبات الصداقة- دون أن أعلم؟! هل يكفي تنزيل برامج مكافحة الفيروسات على هاتفي للتصدي لتلك البرامج الضارة الخبيثة؟ وهل أنا الآن تحت المراقبة؟!»
على الفور، شعرت بقلبي يرتجف؛ فقمت بإلغاء صداقة هاتين السيدتين. وفي المساء، فوجئت بطلب صداقة جديد من سيدة أجنبية تدعى "راشيل كوهين"، ولا إراديًّا وجدتني خفاق القلب مرتعد الفرائص؛ فحصت حسابها الشخصي في خوف، وابتلعت ريقي، وتنفست في عمق، وبلا صبر حذفت طلب الصداقة، وللحظة تصلبتُ مذعورًا، وتسربت حالة من الهلع إلى نفسي ثم جلست على الأرض مبعثر الشعر، أتساءل بصوت مبحوح:
-«هل بإمكاني التوقف عن استخدام الهواتف الذكية أو على الأقل حذف برامج مواقع التواصل الاجتماعي؟!»




أحمد عبد الله إسماعيل/ مصر




تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى