أحمد عبدالله إسماعيل - حب في الهواء.. قصة قصيرة

سافرتُ يومًا في طائرة، مع امرأة حائرة، روحها ثائرة، و ألجأتنا صحبة السفر، إلى الفضفضة والسمر، وأُجبرتُ على الاستماع، إلى كل الهموم والأوجاع، أضحك و أنفعل، ويهدأ بالي ويشتعل، وكان يتضاعف على قلبي الهم، كلما أسهبَت في وصف ما عانته في زواجها من غم، و قُبالتي رجل نحيف طويل، لم يتوقف عن غناء المواويل، ويرتسم على وجهه فرح الناجحين، وتفوح من جسده رائحة الرياحين، وكان يدندن في طنين، بينما المرأة لم تكف عن الأنين.
غلبني فجأة نعاس، وأثقل النوم الرأس؛ فإذا بالمرأة صارت شديدة الغضب، كأنها لم تسمع عن شيءٍ اسمه الأدب، ودلني ما أنا عليه من الفهم، أنني مقبل على سب وشتم؛ فمن وجهها يتطاير الشرر، وتنظر إليَّ في غيظ قد ظهر، وقالت في حنق: «من أنت يا بطل؟! قد مات والله من تحشَّم واعتدل، يا شبيه الرجال، وعقل الأطفال، يا عديم الملامح، والمجرم الجانح، لو كنت أملًا لانقطع، ولو كنت طعامًا ما اشتهاك أحد ولا شبع، ولو كنت طيرًا ما طار شبرًا واحدًا ولا ارتفع، ولو اقتربت من غني لأفلس وافتقر، ولو اقتربت من طموح ليئس وانتحر!»
على الفور أجبتها: «سبحان من جعلكن أصنافًا وألوانا؛ ففي دقيقة صرتِ في حال غير ما كانا، ولو أني أعرف ما يغضبك، لجعلتك أهدأ بالًا وأعذب لسانا، هل صدر مني ما يدعو إلى الضيق؟! أم أنك في السفر أسوأ رفيق؟! أم جلستُ بجوار امرأة لسانها صفيق؟!»
و تراشقنا في سب وشتم، والكل من حولنا ذاهلٌ دون فهم، وتبادلنا الإساءة، حتى أتت المضيفة في براءة، فاعتذرنا ومرت الدقائق، وأخذت تسرد الحقائق، وهي تأكل النقانق؛ فهدَّأتُ من غضبها، بعدما تفهمتُ -بسبب الطلاق- اضطرابها، وحينئذ هبطت الطائرة في سلام، واتفقت معها على استكمال الكلام.
تفتَّتت الصخور، وفار التنور، وأخذ الحب يتدفق في قلبي نهور؛ فطلبتُ يدَها وأنا في السعادة مغمور، وحزمتُ أخيرًا أمر "طاهرة" -رفيقة الطائرة- في فرح وسرور؛ لأن المحبة قد تأتي بعد عداوة كما يحكي المثل ويدور.

أحمد عبدالله إسماعيل - مصر

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى