حاميد اليوسفي - القحط.. قصة قصيرة

خرجت فاطمة لشراء بعض الخضر . عندما رآها سعيد ترتدي الجلباب أحس بأنها ستخرج ، فتمسّك بتلابيبها . غمزت احميدة بأن يُلاعبه ويُلهيه . لا تريد أن تراه يبكي ، ولا تستطيع أن تأخذه معها . شمس شباط حارة مثل شمس حزيران . وهي أصبحت تكره الذهاب إلى المستشفيات مثل أغلب المغاربة . راوغته بالفن ، ونزلت السلالم .
الشمس متوهجة في الخارج ، وكأنها في عز الصيف . أخرجت القبعة من القفة ، ووضعتها على رأسها . تذكرت أن اليوم عيد ميلادها . أربعون سنة مرت بسرعة . نفس الشمس الحارة في عز فصل الشتاء التي حكى عنها والدها . قال لها مرة بأنها ولدت في سنة جافة . نهاية السبعينيات وبداية الثمانينيات من القرن الماضي ، شهدت أسوء فترة جفاف بعد الاستقلال . انتشرت فيها الأمراض والوفيات . باع الناس كل ما يملكون من أجل كسرة خبز . كان القرويون يأتون إلى بعض المدن ، ويشترون شيئا قليلا من الخبز والسكر والشاي ، ويتركون بغالهم أو حميرهم التي يركبونها بجانب الخباز أو البقال كضمانة حتى يعودون إليه بما تبقى من النقود ، وبعد ذلك يختفون . لحوم الغنم والبقر تعرض في الأزقة بأرخص الأثمان . أسر بكاملها هاجرت العديد من القرى والدواوير بحثا عن كسرة خبز . أما الخضر فتلك حكاية أخرى ذكرتها بفيلم (الزفت) للطيب الصديقي ، وهي طفلة تجلس بجانب والدها ، وتتفرج على التلفزيون . ممثلون يحملون قففا صغيرة جدا داخل ساحة يعرض فيها الباعة سلعا قليلة بأثمان خيالية . حبات قليلة من العدس و(الزريعة) أو الفلفل والبطاطس بمئات الدراهم .
لعنت الشيطان ، وحاولت طرد هذه الخيالات السوداء ، وطلبت من الله أن يستر حال الفقراء ، فليس لهم في هذا العالم غيره . استغنت عن بعض الخضر والفواكه التي ارتفعت أسعارها منذ نهاية فصل الصيف الماضي ، لكن لا بأس أن تسأل عن ثمنها من باب حب الاستطلاع . عادت كوابيس الجفاف إلى خيالها من جديد ، وقالت مع نفسها :
ـ بالأمس كنت فقط أنا واحميدة نتحايل على المعيشة ، ونقضي اليوم بما قسّم الله ، لكن الآن معنا سعيد ، والحاجيات تزداد ، ودخلنا ينقص .
يا إلهي كلما ارتفعت الأسعار وحرقت جيوبنا ، ازدحمت الضفة الأخرى بالرونج روفر والفيلات الفخمة !؟
سقطت دمعة من عينيها دون سبب واضح ، ثم رفعت بصرها إلى أعلى ، وهمست في أذن السماء :
ـ يا رب استرها مع الفقراء والفلاحين ، وشتت شمل هؤلاء الطغاة وحكوماتهم التي تضر ولا تنفع إلا الناس الذين الذين يجثمون على صدورنا . لا نملك رونج روفر ولا بغلا ولا حمارا حتى نتركه بجانب الخباز أو البقال .


مراكش 18 فبراير 2022

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى