أحمد عبدالله إسماعيل - النسب...

تسابقوا في نقل متاعها، تخلى الجميع عن الضمير، لا فرق، الزاهد والفاسق، تمتزج أنفاسهم في سباق محموم، حملوا الأمنيات والخيبات. أذهلها رؤية هذا العابد وسط حشد من الظالمين، وقد حُشروا في زمرة الخائنين.
تأملت عينها الباكية أياديهم تخطف الأثاث الخشبي المغلف بفرحتها، كمن ينزع الأظافر من يدها، أول لحظات زواجها وذكرياتها التي قتلها الجبن والخذلان، الزوج وأمه وأهله وأقاربه وجيرانه مضغوا جميعًا أملها في الحياة، فتحولت إلى مأتم عزاء، وداس الزوج على لحمه وكشف ستره، وضيع الأمانة.
داهم الجمع صوت كاظم الساهر ينبعث من سيارة "ملك أنا لو تصبحين حبيبتي"؛ ردت في عجب: كلام في كلام، "رجل" .. أحيانًا تكون مجرد كلمة في بطاقة الهوية.
في الشارع المكتظ بالناس، أوهمها ابن عمه الورع، أن تنصرف دون إبلاغ الشرطة، على وعد أن يأتيها بحقها غير منقوص، الزوجة الهادئة رق قلبها تحلم أن تعود المياه لسابق جريانها: في الأول والآخر أبو عيالك.
تركت ابن عمه مكانها يحرس مالها غير أنه صرف عينيه عنها ومد يد العون في تهريب متاعها!
علا صوته: بالراحة دا مال ناس!
نقلوا الأثاث بعد منتصف الليل، تعاونوا على الإثم، حملوا أوزارهم وأرزارًا معها، ولم يبق في مسكن الزوجية ما يدل على وجودها.
خُيرت: الأولاد أم حقوقك الزوجية؟
خيار أمرُّ من الحنظل، تترك الحقوق لتعيش على الآلام الدفينة مع الأطفال الضعيفة، عادت لشقتها التي استأجرتها لتسترها من عراء حياتها التي صارت مشاعًا على الألسن، همَّها مستقبلها، وتركت أسواط الزمن أثارًا عليها، ينهش الجوع في بطونهم، ويطاردهم القلق ويتعقبها كل صياد كالطريدة.
لا يُلقي لأبنائه بالًا، ولا يدري أنه يستبدل الذي هو أدنى بالذي هو خير، خاب وخسر!
على الأثاث الفاخر الذي لا يستحقه، سيتزوج . قالت الأم إنه سوف يتزوج بكرًا لم يمسسها بشر، وشرط تكون دكتورة، فلتبحث تلك المسكينة لنفسها عن مقبرة، وانتشر الخبر في أرجاء المنطقة، وبدَّل زوجها حُسن الحياة قبحًا، فخرجت تقصد بيته:
الحياة قصيرة، ارتفع الضغط لدي، ووصل الدم مخي، وكدت أموت، و لست في حاجة إليك برغم أنك أعطيتني وعدًا ألا تخذلني، لكن نظرات الأغراب تطاردني، و دروس الأولاد الصعبة تهدد نجاحهم، استدار الزوج وقال:
- أنا رجل عصبي للغاية، و لا أستحق زوجة عظيمة مثلك، أنا ميكانيكي، تعليمي بسيط وفكري محدود، لكنك مهندسة مثقفة بنت ناس، ربنا يوفقك مع غيري.
سمع الناس توسلاتها، يتحسرون.
عادت تجر أذيال الخيبة، فوجئت بوقع أقدام تتبعها، ثم وقف أمامها رجل، أو كأنه كذلك، لم تسمع له إلا همسًا : مستعد أرمي الفلوس تحت رجليك، قولي آه.
أجاب الله غوثها، ومر في تلك الأثناء أحد الكبراء، اختفى المتحرش من أمام لطيفة التي اصطحبها -إلى باب بيتها- هذا الوجيه، وظنت أنه أراحها من عواء ذلك الكلب، غير أنه فاقه نباحًا !

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى