عمر حمش - استرخاء

لمَّا عبرتُ شرخَ حائطِِ الراحلين؛ دهمتني رائحةُ الصُبّارٍ، ولطمني شوكُ القبور، حتى وصلتُ رملَ بقعة، فكان أطرى من سجاد حرير. وما أن انطويتُ مسترخيا؛ أرتشفُ ذكرى الغائبين؛ حتى تقشر قبرٌ تقشرَ موزةٍ، وهيكلُ صاحبِه قفز؛ يمزّقُ كفنهُ، وأخذ لسانهُ يصيح:
- اخرجوا يا قوم ..
ثمَّ أخذ ينفض غباره؛ ويكسو عظامه، وقد توشّح بكآبته، وشرع يشهر سبابته مستغرقا في إنشادِ ما حلا حالما ممتدٌّا كانّه وترٌ مشدود، يهتزّ فوق سحيقِ أعماق، ولبث هكذا يموج، حتى اشتدَّ؛ فاعتلى، وصار غيمةً تهطلُ الأشعار..
وبينما أنا في ذهول، تهزني دهشتي، حتى خفَّ وزني، ووجدتني ريشة ريح؛ وإذ بجوفٍ آخر ينفتحُ، ويخرجُ منه أبي، يرمى كفنه، ولهثتُ أنا، وهرولتُ أتحسسه؛ فوجدته عاد صلبا، بالضبط كما كان، ومضي؛ حتى قاربَ المنشد، وعيناه قد شرعتا تتلقفان منه درر الأشعار..
ولمّا لاحظ أبي إشراقتي، سمعت صوته، ذات صوته، وقد هتف:
- انظر..
وإذ بالقبور تتفتح تباعا كثمار، وعظامُ النزلاءِ تتماثل قائمةً، لتمشي، وتأتي المنشدَ صامتة، ثمَّ ما لبثت الأرجاء أن اهتزت بجموع المنشدين، حتى بدوا فرقةً شدوٍ هائلة..
- الله !!
هذا ما قلتُه أنا، متمنيا أن يدوم ذلك الحال، وألا أفجع بصحوٍ مقيت.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى