نزار حسين راشد - من مذكرات رجل غاضب.. قصة قصيرة

اتصل بي أحد المنتجين ليعرض علي تحويل روايتي غير المشهورة إلى فيلم سينمائي، وفوجئت حين ذهبت لمقابلته أنه يريدها بلامقابل، مقابل وضعي تحت الضوء، ووضع اسمي على قائمة الأعلام، كما قال، اشتعلت غضباً ولم أتمالك نفسي، ولم أستطع كتم غيظي وقذفت في وجهه عبارتي الغاضبة: أنت ابن شرموطة.
واستكملت التنفيس عن نقمتي، بأن نشرت مقالاً،وصفت فيه صناعة السينما بأنها مباءة للدعارة والمخدرات والجاسوسية،منذ تأسيسها، وأضفت بأن المخرجين والمنتجين هم عبارة عن قوادين يملكون موهبة التقاط الفتيات المستعدات لتقديم التنازلات،وأنهم كلهم استنساخ لبطل رواية نجيب محفوظ في زقاق المدق الذي التقط حميدة بذريعة الحب وحولها إلى عاهرة،وهذا بالضبط ما يفعلونه بذريعة الفن.
وطبعاً رفعوا علي دعوى تشهير مطالبين بتعويض خيالي،ولكنني كنت قد استبقت ذلك وغادرت البلد.
ولكن فكرة تحويل روايتي إلى فيلم سينمائي ظلت تلح علي،بعد أن أيقظها ذلك العرض السخيف،فطفقت أبحث عن مخرجين ومنتجين،حتى اهتديت إلى منتج يبحث عن فرصة ليجدد اسمه بعد انقطاع طويل.
وبالفعل تفاهمنا بسهولة،كان أكثر نزاهة وصدقاً من أصحاب العرض الاول وتشعب بنا الحديث متجاوزاً حدود الصراحة،وهو يشرح لي محددات عملهم وإشكالاته،حتى أنه قال لي: الموهبة كذبة كبيرة أقصد التمثيل طبعاً وليس الغناء أو الرقص،فهذه مواهب طبيعية لا مجال للتحايل فيها،أما التمثيل فهو صناعة،وغالباً هي شبكة علاقات،فنحن نلتقط الشخصية ونضعها داخل إطارٍ موحٍ نرسمه بعناية تماماً مثل برواز الصورة،ولكننا نذهب إلى أبعد من ذلك فلا نكتفي بالإطار الخارجي،بل نصنع إطاراً موحياً لكل شيء،الوجه، القسمات،العيون وحتى أعضاء الجسد،ولا تتسرع وتطلق حكمك علينا وتقول: نحن عرب كاذبون،فأنا خريج هوليوود وكل هذه الحيل تعلمتها منهم،كل أولئك الممثلات الفاتنات قد يكن أقرب إلى القبح حتى،أو مجرد فتيات عاديات، ولهن عيوب بارزة نتفنن في إخفائها،ولو دققت جيداً بعين ناقدة ومحترفة لاكتشفت ذلك بسهولة،المسألة كلها تركيب في تركيب،وزخرف وبهرجة تضفي هالة مشعة على الحقيقة البسيطة المجردة وتكسو عريها بالجاذبية.
ويسترسل ليقول،ربما ستتيح لي روايتك إنتاج عمل أكثر حقيقية وصدقاً: أتدري لماذا؟ لأن الخط الدرامي فيها صادق ومقنع وفي الوقت نفسه مثير للتشويق ويضع المشاهد في قلب لحظة التأزيم،وفي النهاية تُقدم أنت له المخرج ببراعة بعد أن وضعته في مأزق يبدو مغلقاً.
وهذا هو الإحتراف يا صديقي أن أبرز ذلك من خلال المشاهد والصورة والسيناريو الذي لا شك سأطلب مساعدتك في صياغته وسأدفع لك مبلغاً إضافياً بالمقابل،ويضيف على الفور: هل نحن على اتفاق با صديقي هل نوقع وأحرر الشيك باسمك؟
وبلا تردد قلت: نعم!
فبعد تجربتي السيئة مع أولئك المتحايلين كانت هذه فرصة ذهبية بالنسبة لي.
لم يكن المبلغ سخياً جداً،ولكنني كنت فرحاً جدّاً،فقد نورني الرجل على الأقل ووضعني في الصورة الحقيقية لما يجري في عالم السينما المبهر والحاضر في حياتنا برغم كل ما يعتوره من سلبيات.
نزار حسين راشد

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى