عمر حمش - تغريدةُ النورسِ الأخيرة

أخَذتْ بتلابيبي؛ ثمّ استحكمتْ، حتى سَرَتْ في دمي.
قالت: أنا طيرٌ. وتطايرتْ.
قلتٌ: وأنا نورسٌ. ولاحقتُها.
بين الغيومِ كانتْ قبسا، يخترقُ طبقاتٍ، ويمورُ، وكنتُ المتتبعَ بقلبٍ يرتجف، حتى حطّتْ على بلاطٍ، وسقطتُ مهيضا جوارَها؛ لكنّها تباعدتْ، وتَحلّق خلقٌ، وخضضتُ دماغي الذاهلَ، حتى تثبّتُ، وعرفتُ أننا بين فرنجةٍ يؤدون - وهي وسطهم - رقصةً قديمة، وكنتُ القريبَ، وكنتُ البعيدَ غارقا في تأملي، ولا أقوى - مثلهم - على ممارسةِ تصفيقٍ، ولا صفير .. وترنّحوا، وهم الثملون، وأنا القلقُ. وأزادتهم من ترنُّحِها، وهي تسدلُ الذراعين، وترفعهما، وتوسعُ العينين، وتغمضهُما، وقومُ الفرنجةِ يهتزّون في حبور، إلى أنْ تضاءلتْ فجأةً، حتى عادت حمامةً ثلجيةً .. ارتفعتْ، فانتفضتُ، وعُدتٌ نورسا .. تصاعدَتْ؛ فتصاعدتُ،، وارتفعنا، كم ارتفعنا، وعاد قلبي يرقصُ، وسابقتني في البعيدِ، حتى غدَتْ شمعةً أضاءتْ رأسَ فتيلِها، وتعمقنا غازيّين للفراغ الجميل، وتوسعنا، ولكم توسعنا، تهوي؛ فأهوي، ونحطّ في كلّ مرّةٍ في بلادٍ، يحتفلون بها، وهي تُبرقُ بالجبين، وتقهقه بالعينين، وتشدو بألحانِ جدودي القديمة، وكانوا يرقصون في انبهارٍ، سودًا، وبيضّا، وشقًرا، وأنا المصاحبُ في كلّ حالٍ، الخائفُ الملتاع، حتى هَوَتْ مرةً أخرى في السحيق، وعدتُ - كما في كلّ جولةِ هبوطٍ - أنادي ربَّ السماء، وأضربُ بجناحينِ كنصلينِ، وإذ بي أجاورُها في أرضٍ، أحسبُ أني كنتُ قرأتُ عن رائحةِ طينها، وكانت أميرةً فرعونيةً بين آلهةٍ، وقدماءُ المصرين يضربونَ الدفوفَ، وهي تومئُ شاكرة، وأنا الحارسُ أرقبُها، والنيلُ يعلو، ويتضاحكُ، وكلّ ما حولَنا يتسقُ، وفي قلقي كنتُ أسترجعُ جناحيّ، وهي ترمقني، لتغرقني في بئر نبيذ، إلى أنْ أنبتتْ جناحيها؛ فأنبتُّ، وعادتْ؛ تصاعدتْ، فتصاعدتُ .. حلّقتُ في فرحي، وأُبنا، والشمالُ وجهتنا، والشمسُ تدفعنا في ريحٍ. حتى طفنا فوق مخيمنا في جباليا، وفي البعيدِ رأيتُ صفيحَ سقف بيتي، والصغارُ خمنتهم يشيرون؛ ونحن نسقطُ في زحامِ سوقِ الأحدِ، والحشدُ يباعدُنا، لأهرولَ في البحثِ، وأنا أقول:
أضعتها، ويا ويلي، أضعتُها.
حتى وجدتها متشحةً بخِرقةٍ، وبثوبٍ بهتَ قطنُه، وتنتفت خيوطُ تطريزه، يكسوها ذبولٌ خلع قلبي، ومع عينين ذابلتين، تُرجفُ ذراعا وتبسطُها، وصاحبُ بسطةِ يصيحُ في نَزَقٍ، وهو يمنحُ كفّها شيكلا، وهي متلهِفَةً تتلقفه، وتضغطُ عليه ..

25-3-2022

تعليقات

قالت: أنا طيرٌ. وتطايرتْ.
قلتٌ: وأنا نورسٌ. ولاحقتُها.
بديع وعميق ومرهف
على سبيل التحليق...
هذ النص
صدقا... شكرا على هذه اللوحات الفنية
 
أعلى