– 1 –
“الواد زرافة الحنجور” هكذا تلقينا اسمه، وتداولناه ، نحن صبيان القرية المنبسطة كبقعة صدأ تتوسط خضرة الغيطان، دون أن نسأل عن سبب هذه التسمية الفريدة في قريتنا. كان يملك قامة رجل، غير أنه يتماوج ويترنح في مشيته مثل زرافة، وفيما بعد قال لنا الشيخ درويش فقيه الكُتاب : إن الواد زرافة مثل زرافة الصحراء يرى إلى بعيد جداً . والمهم أننا لم نكن نستغرب وجوده بيننا ، على فارق القامة،ولا نسأل أنفسنا كيف يعيش . كان يشدنا بغرابة تعبيراته التي تتخللها كلمات غير مفهومة وليس لها معنى. وحين ظهرت أول سيارة نقل في ساحة القرية اشتراها الشيخ مرسال ، من مخلفات الجيش الإنجليزي أواخر عشرينيات القرن الماضي، قفز زرافة الحنجور إلى صندوقها، فاعتبرت قفزته بمثابة (مباركة)، فلما رفض النزول (بالحسنى) تُرك لشأنه، وعرفنا – فيما بعد – أنه شغل مكان “تباع” الشاحنة وحارسها !! وهكذا غاب عن مشاكستنا أسبوعاً متواصلاً، وحين أوشكنا أن ننساه ظهرت الشاحنة فجأة،وكان يعتلي صندوقها الفارغ ، وما أن رأى جمعنا منهمكاً في لعب كرة المضرب ، حتى قفز منتصباً بقامته عند كوم الحجارة الذي نتخذه هدفا لإصابة الكرة . وكان هذا كافياً لأن نتوقف عن اللعب ، ونتحلق حوله ، ونفتش – بالأسئلة – فيما جرى له مدة غيابه .
– 2 –
قال ” الواد زرافة الحنجور” بثقة لم نعهدها فيه : أنا شفت آخر مصر !!
في نفس واحد هتفنا مستغربين : آخر مصر !!
بثقة غير معهودة، وكأننا أمام شخص آخر كرر : آخر مصر !!
سأل أحدنا ، وأمن الباقي على سؤاله : شكله إيه آخر مصر ؟
قال: مشينا بالعربية أيام وليالي، لغاية آخر مصر ..
عرفنا .. آخر مصر شكله إيه ؟ .. شفت إيه ؟
هناك – آخر مصر – اللهم صلي على النبي – جدار حديد تخين وعالي جدا .
قال أحدنا متحدياً : طب وإيه يعني ؟ .. ناس كتير من بلدنا شافوا الجدار ده .
قال بثقة : جايز بس ماشافوش اللي وراه ..
قال آخر : ح يكون وراه إيه ؟ غير بلد تاني .. وناس زينا ..؟
هنا انفعل الواد زرافة ، وغضب لكرامة ابتداعاته : لاء .. المسألة غير كده خالص . أنا شفت بعيني دي إيه اللي ورا الجدار الحديد .. ناس .. آ .. بس مش زينا !!
قلت: هو فيه ناس مش زينا ؟
قال : طبعاً .. الناس اللي ورا الجدار الحديد طوال جداً، وسود فحم ، وعرايا خالص، وليهم ديول، ولكل واحد سبع أنياب طالعة من حنكه لامسة مناخيره ..
هتف أصغرنا : يامه !!
أكمل ” الزرافة” : الناس دول مرصوصين صف ، ونازلين لحس في الجدار الحديد بلسانتهم الخشنة زي المبرد .
قلت متعجباً : يلحسوا الحديد بلسانهم ليه ؟
دي شغلتهم .. مكنش ممكن أسألهم ، لكن اللي عرفته إن عملية اللحس دي مش هتقف لغاية ما يبقى مفيش جدار حديد .. وشوف بقى ..
وعاد أصغرنا يردد : يامه !!
سألته وقد اقشعر جلدي : وبعدين ؟!
قال الواد زرافة ، وكأنه يقرر حقيقة لا خلاف عليها، ولا يمكن توقيتها : لما يبردوا الجدار بلسانتهم ح يهجموا علينا … وياكلونا !!
قلنا في نفس واحد كأنما اتفقنا : ياكلونا ؟! هي فوضى، علشان لهم ذيول ؟!
قال منهياً حكايته : علشان لهم أنياب ولسانتهم مبارد !!
– 3 –
مضى زمن طويل أدركت آخره الذي أعاينه اليوم، وتهيم بداياته في وادي النسيان ، غير أن التماعات من كلام ” الواد زرافة الحنجور” بدأت تبرق في سواد الليل ، وكأنها لهيب، وهي ليست أكثر من خرافات تروق لقائلها ، وتزعج الصبية ، فيعانون الكوابيس المنامية التي تظهر فيها الأنياب والذيول والألسنة المبارد .
ولأنهم يتشابهون فإنه يصعب أن تفصل رأي واحدهم عن (الجماعة)، فكلهم مثل كومة الرمال: متماسكة شكلاً ، تعطل الحركة ، ولكنها تتبدد مع هبات الريح ، وتتبعثر مع ضربة فأس .
قال كبيرهم التعس : طظ في مصر، ما هي إلا قطعة طين عفن . وهنا ظهر الناب الأول ملوثا بالدماء، ولكن الذيل اهتز نشواناً ، فقدم الدليل على أن العفن اخترق جسد الجماعة، وظهر على ألسنتها المبارد .
وقال أحمقهم ذو العمامة : لقد تم التمكين وانتهى الأمر، وتابعه أحمقهم ذو الخزانة: جئنا لنحكم 500 سنة . ونسي أن يقول : إن شاء الله ، فتأكدت الخرابة ما بين ضميره ولسانه ، وعمي قلبه فلم يذكر قوله تعالى : ) ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدا * إلا أن يشاء الله( .
وهنا ظهر الناب الثاني ، وكان بشعاً في تسوسه، ولكن ذيله كان يفرقع مهدداً !!
وقال فصيحهم الذي ذكر [ بالصوت والصورة] : أنه عرف ببدء معركة العبور في حين كان يتناول غداءه [ ظهيرة العاشر من رمضان] وأكد مروقه عن دين الله ، في دعائه : “اللهم توفني على الإخوان” بديلا للدعاء ” اللهم توفني على الإسلام” !! وحرض من قبل على أن يتزوج الإخواني من إخوانية ، بحيث ينتهي الأمر إلى تكوين (شعب الشيطان المختار) بإعلان إذابة الجدار الحديدي . وهنا برز الناب الثالث ، واللسان المبرد ، وسلسال من الدم يجري بينهما .
وتصدر رئيسهم اجتماعاً مذاعاً على الهواء لبحث موضوع سد أثيوبيا اللعين، فانكشفت فيه فضائح لا ترتكبها غرزة حشاشين ، واقترحت فيه أعمال لم تخطر من قبل على خيال “زرافة الحنجور” وظننا أنها اختفت مع اختفائه ، فمن قائل : نرشوا القبائل ونثيرها ، ومن متوعد بإطلاق أكاذيب عن طائرات سنشتريها ، تملأ خزاناتها في الفضاء.. إلخ . وهنا تقلصت شفتا الرئيس وظهر نابه المنخور ، مثل مدية صدئة . أما الذيل فكان يفرقع في الهواء ، متوعداً من يخالف أو يختلف !!
وفي ذكرى معركة العبور، ركب قتلة السادات سيارة رياسية مكشوفة ، طافوا بها بين جنبات استاد القاهرة ، متحدين مشاعر الملايين ، كانوا كأطفال عرايا غافلوا أمهم وجلسوا في طشت الغسيل فرحانين بعريهم ، غير عابئين بأن أدموا قلوب الملايين الذين يذكرون مصرع رئيسهم في ذكرى يوم مجيد ، كان هو في مقدمة صانعيه . كانت الدماء تسيل من أشداقهم ، والأنياب تنخر شفاههم الغليظة ، في حين كانوا يجاهدون في إخفاء ذيولهم بالجلوس عليها في السيارة الفارهة .
وسول لهم خيالهم التعس أن يقسموا البلد بلدين ، ويسعروا نار الشقاق ، بأن زعموا أن الكنائس أضحت مخازن أسلحة ، فتقصدوها بالحرائق ، وتركوها خاوية بغير صلبانها ، ولكنهم لم يستخرجوا منها – ولو بالباطل – قطعة سلاح واحدة . وبذلك ظهر الناب السادس ينطلق منه شرر ودخان ، وكانت آثار الذيول واضحة حتى في رماد الحرائق . وكان الجدار الحديد أصبح في رقة ورق السجائر .
– 4 –
لم يبق إلا اليوم السابع، يوم الفصل . من ثم رأى الكبير ألا مجال لانتظار ذلك اليوم. لقد كان يشاهد – ببصيرته – حشوداً مرتقبة من الأنياب الدامية والذيول الراقصة ، تقتحم الجدار المختفي في بطونهم الدموية ، بفعل ألسنتهم المبارد .
مائة مليون إنسان، في أفواههم ألسنة منداة بذكر الله ، والتوكل عليه ، وعشق الوطن ، واعتناق محبته : تلاحمت الأكتاف ، كانت الأمهات تدفع عربات الأطفال ، والرجال يتماسكون بالأيادي ، ومن حولهم يلعب الصبيان والبنات ألعابهم المحبوبة ، وكان تراب الوطن المتصاعد بفعل الزحف المترامي بمساحة الأرض يشكل منهم كتلة واحدة ( عرضها شهر ، وطولها عشر ) ، لم يهددوا . لم يتوعدوا . غير أن الألسنة المبارد ، والذيول المختالة ، والأنياب الدامية .. استوعبوا الرسالة فولوا مدبرين .
– 5 –
أنا الموقع على هذا أدناه، عندما رأيت مشهد يوم الفصل، وصدور الحكم بإجماع مائة مليون من القضاة العدول ، ذكرت ” الواد زرافة الحنجور” العملاق الطيب ، وأدركت أنه كانت له منزلة البراءة عند بارئه ، وأنه .. حقاً كان يرى إلى بعيد .. بعيد جداً ..
“الواد زرافة الحنجور” هكذا تلقينا اسمه، وتداولناه ، نحن صبيان القرية المنبسطة كبقعة صدأ تتوسط خضرة الغيطان، دون أن نسأل عن سبب هذه التسمية الفريدة في قريتنا. كان يملك قامة رجل، غير أنه يتماوج ويترنح في مشيته مثل زرافة، وفيما بعد قال لنا الشيخ درويش فقيه الكُتاب : إن الواد زرافة مثل زرافة الصحراء يرى إلى بعيد جداً . والمهم أننا لم نكن نستغرب وجوده بيننا ، على فارق القامة،ولا نسأل أنفسنا كيف يعيش . كان يشدنا بغرابة تعبيراته التي تتخللها كلمات غير مفهومة وليس لها معنى. وحين ظهرت أول سيارة نقل في ساحة القرية اشتراها الشيخ مرسال ، من مخلفات الجيش الإنجليزي أواخر عشرينيات القرن الماضي، قفز زرافة الحنجور إلى صندوقها، فاعتبرت قفزته بمثابة (مباركة)، فلما رفض النزول (بالحسنى) تُرك لشأنه، وعرفنا – فيما بعد – أنه شغل مكان “تباع” الشاحنة وحارسها !! وهكذا غاب عن مشاكستنا أسبوعاً متواصلاً، وحين أوشكنا أن ننساه ظهرت الشاحنة فجأة،وكان يعتلي صندوقها الفارغ ، وما أن رأى جمعنا منهمكاً في لعب كرة المضرب ، حتى قفز منتصباً بقامته عند كوم الحجارة الذي نتخذه هدفا لإصابة الكرة . وكان هذا كافياً لأن نتوقف عن اللعب ، ونتحلق حوله ، ونفتش – بالأسئلة – فيما جرى له مدة غيابه .
– 2 –
قال ” الواد زرافة الحنجور” بثقة لم نعهدها فيه : أنا شفت آخر مصر !!
في نفس واحد هتفنا مستغربين : آخر مصر !!
بثقة غير معهودة، وكأننا أمام شخص آخر كرر : آخر مصر !!
سأل أحدنا ، وأمن الباقي على سؤاله : شكله إيه آخر مصر ؟
قال: مشينا بالعربية أيام وليالي، لغاية آخر مصر ..
عرفنا .. آخر مصر شكله إيه ؟ .. شفت إيه ؟
هناك – آخر مصر – اللهم صلي على النبي – جدار حديد تخين وعالي جدا .
قال أحدنا متحدياً : طب وإيه يعني ؟ .. ناس كتير من بلدنا شافوا الجدار ده .
قال بثقة : جايز بس ماشافوش اللي وراه ..
قال آخر : ح يكون وراه إيه ؟ غير بلد تاني .. وناس زينا ..؟
هنا انفعل الواد زرافة ، وغضب لكرامة ابتداعاته : لاء .. المسألة غير كده خالص . أنا شفت بعيني دي إيه اللي ورا الجدار الحديد .. ناس .. آ .. بس مش زينا !!
قلت: هو فيه ناس مش زينا ؟
قال : طبعاً .. الناس اللي ورا الجدار الحديد طوال جداً، وسود فحم ، وعرايا خالص، وليهم ديول، ولكل واحد سبع أنياب طالعة من حنكه لامسة مناخيره ..
هتف أصغرنا : يامه !!
أكمل ” الزرافة” : الناس دول مرصوصين صف ، ونازلين لحس في الجدار الحديد بلسانتهم الخشنة زي المبرد .
قلت متعجباً : يلحسوا الحديد بلسانهم ليه ؟
دي شغلتهم .. مكنش ممكن أسألهم ، لكن اللي عرفته إن عملية اللحس دي مش هتقف لغاية ما يبقى مفيش جدار حديد .. وشوف بقى ..
وعاد أصغرنا يردد : يامه !!
سألته وقد اقشعر جلدي : وبعدين ؟!
قال الواد زرافة ، وكأنه يقرر حقيقة لا خلاف عليها، ولا يمكن توقيتها : لما يبردوا الجدار بلسانتهم ح يهجموا علينا … وياكلونا !!
قلنا في نفس واحد كأنما اتفقنا : ياكلونا ؟! هي فوضى، علشان لهم ذيول ؟!
قال منهياً حكايته : علشان لهم أنياب ولسانتهم مبارد !!
– 3 –
مضى زمن طويل أدركت آخره الذي أعاينه اليوم، وتهيم بداياته في وادي النسيان ، غير أن التماعات من كلام ” الواد زرافة الحنجور” بدأت تبرق في سواد الليل ، وكأنها لهيب، وهي ليست أكثر من خرافات تروق لقائلها ، وتزعج الصبية ، فيعانون الكوابيس المنامية التي تظهر فيها الأنياب والذيول والألسنة المبارد .
ولأنهم يتشابهون فإنه يصعب أن تفصل رأي واحدهم عن (الجماعة)، فكلهم مثل كومة الرمال: متماسكة شكلاً ، تعطل الحركة ، ولكنها تتبدد مع هبات الريح ، وتتبعثر مع ضربة فأس .
قال كبيرهم التعس : طظ في مصر، ما هي إلا قطعة طين عفن . وهنا ظهر الناب الأول ملوثا بالدماء، ولكن الذيل اهتز نشواناً ، فقدم الدليل على أن العفن اخترق جسد الجماعة، وظهر على ألسنتها المبارد .
وقال أحمقهم ذو العمامة : لقد تم التمكين وانتهى الأمر، وتابعه أحمقهم ذو الخزانة: جئنا لنحكم 500 سنة . ونسي أن يقول : إن شاء الله ، فتأكدت الخرابة ما بين ضميره ولسانه ، وعمي قلبه فلم يذكر قوله تعالى : ) ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدا * إلا أن يشاء الله( .
وهنا ظهر الناب الثاني ، وكان بشعاً في تسوسه، ولكن ذيله كان يفرقع مهدداً !!
وقال فصيحهم الذي ذكر [ بالصوت والصورة] : أنه عرف ببدء معركة العبور في حين كان يتناول غداءه [ ظهيرة العاشر من رمضان] وأكد مروقه عن دين الله ، في دعائه : “اللهم توفني على الإخوان” بديلا للدعاء ” اللهم توفني على الإسلام” !! وحرض من قبل على أن يتزوج الإخواني من إخوانية ، بحيث ينتهي الأمر إلى تكوين (شعب الشيطان المختار) بإعلان إذابة الجدار الحديدي . وهنا برز الناب الثالث ، واللسان المبرد ، وسلسال من الدم يجري بينهما .
وتصدر رئيسهم اجتماعاً مذاعاً على الهواء لبحث موضوع سد أثيوبيا اللعين، فانكشفت فيه فضائح لا ترتكبها غرزة حشاشين ، واقترحت فيه أعمال لم تخطر من قبل على خيال “زرافة الحنجور” وظننا أنها اختفت مع اختفائه ، فمن قائل : نرشوا القبائل ونثيرها ، ومن متوعد بإطلاق أكاذيب عن طائرات سنشتريها ، تملأ خزاناتها في الفضاء.. إلخ . وهنا تقلصت شفتا الرئيس وظهر نابه المنخور ، مثل مدية صدئة . أما الذيل فكان يفرقع في الهواء ، متوعداً من يخالف أو يختلف !!
وفي ذكرى معركة العبور، ركب قتلة السادات سيارة رياسية مكشوفة ، طافوا بها بين جنبات استاد القاهرة ، متحدين مشاعر الملايين ، كانوا كأطفال عرايا غافلوا أمهم وجلسوا في طشت الغسيل فرحانين بعريهم ، غير عابئين بأن أدموا قلوب الملايين الذين يذكرون مصرع رئيسهم في ذكرى يوم مجيد ، كان هو في مقدمة صانعيه . كانت الدماء تسيل من أشداقهم ، والأنياب تنخر شفاههم الغليظة ، في حين كانوا يجاهدون في إخفاء ذيولهم بالجلوس عليها في السيارة الفارهة .
وسول لهم خيالهم التعس أن يقسموا البلد بلدين ، ويسعروا نار الشقاق ، بأن زعموا أن الكنائس أضحت مخازن أسلحة ، فتقصدوها بالحرائق ، وتركوها خاوية بغير صلبانها ، ولكنهم لم يستخرجوا منها – ولو بالباطل – قطعة سلاح واحدة . وبذلك ظهر الناب السادس ينطلق منه شرر ودخان ، وكانت آثار الذيول واضحة حتى في رماد الحرائق . وكان الجدار الحديد أصبح في رقة ورق السجائر .
– 4 –
لم يبق إلا اليوم السابع، يوم الفصل . من ثم رأى الكبير ألا مجال لانتظار ذلك اليوم. لقد كان يشاهد – ببصيرته – حشوداً مرتقبة من الأنياب الدامية والذيول الراقصة ، تقتحم الجدار المختفي في بطونهم الدموية ، بفعل ألسنتهم المبارد .
مائة مليون إنسان، في أفواههم ألسنة منداة بذكر الله ، والتوكل عليه ، وعشق الوطن ، واعتناق محبته : تلاحمت الأكتاف ، كانت الأمهات تدفع عربات الأطفال ، والرجال يتماسكون بالأيادي ، ومن حولهم يلعب الصبيان والبنات ألعابهم المحبوبة ، وكان تراب الوطن المتصاعد بفعل الزحف المترامي بمساحة الأرض يشكل منهم كتلة واحدة ( عرضها شهر ، وطولها عشر ) ، لم يهددوا . لم يتوعدوا . غير أن الألسنة المبارد ، والذيول المختالة ، والأنياب الدامية .. استوعبوا الرسالة فولوا مدبرين .
– 5 –
أنا الموقع على هذا أدناه، عندما رأيت مشهد يوم الفصل، وصدور الحكم بإجماع مائة مليون من القضاة العدول ، ذكرت ” الواد زرافة الحنجور” العملاق الطيب ، وأدركت أنه كانت له منزلة البراءة عند بارئه ، وأنه .. حقاً كان يرى إلى بعيد .. بعيد جداً ..
الواد زرافة الحنجور - محمد حسن عبدالله
prof-mohamedhassan.com