زياد الحمداني - قراءة في قصة "شبح الظلم" لسليمة ملّيزي

قراءة أدبية وتحليـــــــــل
القصــة القصيرة (شــبح الظلــم )
للكاتبة القاصـــة سليمـــة مليـــزي- من الجزائر

- نـصُ قصصــي من لون القصة القصيرة الأدبي ..اعتـمد السرد الحكائي بقلم الراوية الكاتبة ، ارتكز على توظيف الفكرة والمضمون والأبعاد الاجتماعية والواقع الدرامي بدءً من العنوان ( شبح الظلم ) الذي تناغم مع روح وفكرة النص وكأن الظلم حالة مستشرية محسوسة كشبح ٍ يخيم أرجاء المعمورة في المجتمع ..
استهلت القاصة المبدعة سليمة مليزي نصها بتصوير ٍ مشهديّ ينقل للقارئ أو المتلقي صورة واضحة للعنصر المكاني متناغما منسجما مع العنصر الزماني في مطلع النص وبدء السرد للمتن .. دون حشو ولا إخلال سردي .. وبيان عنصر العقدة ومحورها بإختزالٍ دقيق ألا وهو (( استشهد والدهما في ميدان التحرير دفاعاً عن الوطن )) والأبعاد والمفارقة الميتاسردية بين ( ميدان التحرير ) وبين الظلم والقهر الحاصل من جانبين ، جانب المحتل وجانب الأعمام الذين صادروا ارض الشهيد عنوةً وظلما ً .. ثم التنقل بتصويرٍ درامي لتوصيف حالة الجوع والفقر والعوز وكفاح المرأة ( الأم) لتنتقل جينات الكفاح لأبنتها التي شهدت وعاشت كل أنواع الظلم وتكمل الدرب ( كمحامية) تستعد وتستمد من أمها طريق الامل والمواصلة لاسترداد الحقوق ...
نص اعطي ابعاداً متعددة وصور شتى ما بين النضال والكفاح والجوع والقهر ومقارعة الظلم ، وبين الإضرار على مواصلة دروب الحياة والبقاء من اجل استرداد الحقوق من غاصبيها ..
أبدعت الكاتبة القاصة ( سليمة مليزي) في توظيف السرد الواقعي معتمدةً الركن التوصيفي والمباشر اتي في إيصال الفكرة والمضمون وبنسيج لغوي ولفظي عميق الدلالات والشارات حتى في المسكوت عنه في نصها القصصي ذي البعد الميتاسردي والعمق اللفظي وأبعاده البلاغية واعطت في قفلتها وخاتمتها القصصية مساحة واسعة لذهن المتلقي ليكمل القصة وفق مخيلته ، ومساحة ادبية قصصية لإكمال ما ابتدأ به النص ، فأجادت وأبدعت فكرةً ومضمونا ولفظا وسرداً وحرفاً رصينا ..وهذا ما اعتدناه في نصوص الكاتبة الكبيرة سليمة مليزي في فنون الأدب ...

الناقــد الشاعــر
زياد الحمداني
العـــراق

"شبح الظلم".. قصة قصيرة

بدأ الفجر يرسل خيوطه الفضية ..نهضت يامنة متثاقلة وراحت تراقب تسارع صعود النهار في مدى الأفق، ذهبت إلي الإسطبل، حلبت النعجة الوحيدة التي تقتات منها بناتها الثلاثة بعدما استشهد والدهما في ميدان التحرير دفاعا عن الوطن. كانت تهرول يمينا وشمالا بحثا عن قطعة خبز تسد بها رمق ابنتها الصغرى ... سلكت الدرب الذي يحيط بحدائق جدها الهادئة كهدوء الصباح .. فقط كانت أصوات العصافير وصياح الديكة وحفيف الأشجار التي تداعبها نسائم الصباح هى موسيقى اللحظة، لكن رائحة الخبز التي تنبعث من بيوت الفلاحين المستعدين للذهاب إلي حقولهم اثارت جوعا قديما في نفسها ، كان الدرب المكلل بأشواك التوت البري التي بدأت براعمه تتفتح لإعلان قدوم الربيع ، وهناك في الدروب مروج تتلألأ من بعيد بأزهار الأقحوان والبنفسج وكأنها سجاد حيك بتناسق جميل من إبداع الخالق ، لكنها لم تكن مهتمة بها بقدر اهتمامها بحركة الجوع في بطن ابنتها التي قالت: هل شممت هذه الرائحة الشهية؟, كاد قلبها ينفطر لملاحظة ابنتها...
كانت نسائم الصباح الحنونه تداعب جسديهما وهما يشقان الدرب مسرعتان قبل أن تفوتهما الحافلة الوحيد التي تقلهما إلي المدينة ، كان الهدوء يبعث صمته من كل مكان. مر على مقربة منهما منظف القرية يجر عربته لتنظيف شوارعها الهدائة ، كان هناك ايضا حارس الحديقة الكبيرة التي تتوسط ساحة القرية، كان يسقي الحديقة وخرير الماء المتطاير على وريقات الورود يرسل لحناً شجيا يكسر الصمت بجمال رقرقته على الأزهار والأشجار التي كانت تلامس رشات الماء المتطاير عليها بحنين ، ورائحة الورد الجوري والتوليب والجاردينا والكاميليا والبنفسج تنبعث وتنعش الهواء برائحتها العطرة ..
لم تكن ابنتها الصغيرة تعلم لماذا تجرها والدتها كل أسبوع إلى المدينة ..؟ لقد احتاجت إلي سنوات طويلة كي تعرف أن الصرة التي كانت تخفيها دائما تحت جناح شالها تحتوي على بعض البيضات وقارورة زبدة وبعض العسل، تبيعها لحانوتي في سوق المدينة وتاخد مقابلها السميد والزيت والصابون والسكر والقهوة احيانا...كانت تتذكر قليلا شذرات من تلك القصة التي طالما حكتها لها امها في طريقهم ذهابا وايابا قصة حزينة يخيم عليها شبح ظلم وقهر أعمامها لهم في انتهاك حقوقهم في ميراث والدهم الشهيد الذي ترك أراضي شاسعة استولوا عليها ظلما وعدوانا .
ويمينة السيدة القوية والذكية التي كانت تطالب بحق بناتها المشروع ..؟ لم تيأس يوما.
اليوم وهي محامية قديرة تنظر الى امها العجوز فترى فيها النور الذي تتبعه لاسترداد وحماية حقوقها، ومن اجل كفاحها العظيم تتمني ان تسود العدالة هذا العالم .

24 ماي 2014


القصة منشورة في كتاب خبز تحت الحصار الصادر في مصر الشقيقة 2018






قصة قصيرة
الفائزة بالجائزة الاولى مناصفة في مسابقة القصة القصيرة رابطة الكتاب العرب 2014.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى