مناف كاظم محسن - قاتل.. قصة قصيرة

لم يدرِ كم مضى عليه من الوقت مطأطئ الرأس، محاولاً حل لغز المسدس الذي كان يمسكه بيده اليمنى، ويحرك بكرته بيده اليسرى، مما جعل مزاجه سيئاً لدرجة انّه كره نفسه. لكنّه رغم ذلك لم يستطع الفرار من تأنيب الضمير الذي لم يتركه يشعر ولو لحظة واحدة بالهدوء. وكلّما اقنع نفسه أنْ ينسى ما حصل ويستغرق في نوم عميق بعيداً عن الخوف والقلق يتذكر صوت الرصاصات الثلاث التي أطلقت بسرعة تجاوزت حد التفكير واتخاذ القرار. ثم ارتفعت ثلاث صرخات، الأولى صرخة رجل اخترقت الرصاصة قلبه. والثانية صرخة امرأة ثقبت الرصاصة رقبتها. والثالثة صرخة طفلة لم يتجاوز عمرها خمس سنوات هشمت الرصاصة الأخيرة رأسها، فانتشرت دماؤهم على الجدران الأربعة، بعدها خيم الصمت والتشتت. لم ينظر للجثث ولم يبحث عنها في الجانب الآخر من الغرفة. لكنّه تذكر أخيراً وجه ذلك الأعور المحتال ذو اللّحية البيضاء المنفوشة الذي أمضى شهراً أو ربما أكثر، يذلّه ويزجره ويفرض عليه أوامر لا يحب أنْ ينفذ أصغرها. لكنّه صار يسمع صوته الخشن يصرخ في رأسه في كل الأوقات ولا يستطيع التخلّص من سطوته حتى عندما ينام. في بعض الأحيان يسأل نفسه بتوجس عن سبب خضوعه لهذا المحتال ولماذا لا يستطيع أنْ يقتله. رصاصة، رصاصتان أو ربما ثلاث رصاصات تهشم رأسه العفن بعدها الخلاص من كل هذا الذل والألم والعبودية المقيتة.
اتضحت الصورة في ذهنه الآن. عندما تلاشى تأثير حقنة الهيرويين التي حقنه بها الأعور ليلة البارحة. اضطربت ضربات قلبه عندما ارتفع صوته صارخاً كالمجنون (انّه لأمر مؤسف ان لا تمتلك زمام الأمور وتكون آلة قتل بيد مجرم لا يعرف الرحمة). انهار على الأرض الباردة، بعد أنْ عرف حقيقته المؤلمة. ضرب جبهته بأرضية الغرفة الصلبة عدة مرات حتى أحس بخيط الدم يسيل على جانب وجهه المغبر. لم يتخيل أنْ يكون بمثل هذا الموقف المخيف حد الجنون. كيف سيسامح نفسه وهل سيمتلك الشجاعة ليواجه صورته في المرآة. لم يستطع السيطرة على انفعالاته المضطربة. اجتاحته موجة برد في جميع انحاء جسمه. ارتجف وراح يبكي، يبكي ويختض كالسعفة. وجه فوهة المسدس على رأسه بيده المرتجفة وضغط على الزناد مرة واثنين وثلاث مرات لكنّ المسدس كان فارغا. صداع قوي شتت أمامه الرؤيا. ولم يستطع أنْ ينسى عيون المرأة وهي تحدق اليه متوسلة أنْ يتركها وأنْ لا يؤذي طفلتها ويعفو عن زوجها المسكين. أما بكاء الطفلة قبل أنْ يتهشم رأسها أمامه فقد كان له وقعاً آخرَ يختلف كلّ الاختلاف عن أيّ حدث مرعب واجهه طيلة سنين عمره. لقد حكم على نفسه بالعذاب مدى الحياة. لَفّ حول رقبته مشنقة الضمير التي لا ترحم. اشتد الظلام في نفسه ولم يعد يرى من حوله سوى الجحيم والعذاب الأزلي.
دُفع الباب بقوة، انقضت قوات الامن بأسلحتهم ودروعهم الى داخل الغرفة بحذر شديد، محاولين أنْ ينشروا الرّعب داخل قلوب المجرمين المختبئين منذ أيام هنا مثيرين الرعب في قلوب من حولهم. فلم يجدوا الّا جثة رجل أعور ذو لحية بيضاء قد أصيب بثلاث رصاصة واحدة في قلبه والأخرى في رقبته والأخيرة قد هشمت جزءاً كبيراً من رأسه. وشخصاً آخراً متكوراً في زاوية الغرفة بيده مسدس يرتجف ويهلوس بكلمات غير مفهومة.

مناف كاظم محسن
10/أيار/2022

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى