عبد الأحد بودريقة - خاتمة للظلال

مِن صَدع الغيّاب
وهواء تبقّى خَواتم طَيف
تَجيءُ الأغاني ،
زَرقاءَ كومْض المَـوت
تَتصاعدُ ،وتوقدُ شَمعةَ النسيَان
سَكراتٌ تَتخطَّفكَ إلى برْق بَعيد
وأنتَ كَشطْح الصَّمت ،
كَوقْت أبيَض يَهذِي ،
تَختطُّ بَصمَةً بينَ الشُّعلَة والصَّدى
وتَجرحُ اللَّيل بأغْـنيّاتها

لم يبقَ من الحُبِّ غيرَ الظِّلال
والسَّماء مَا عَادَ لونُها يذَكّر بالنَّدى والفَجر
وأنتَ هُنا مَع العابرين
ثَمِلاً بالصَّمت
تَتبعثرُ في الأزرَق،وتَظنُّ وجهكَ ذاكَرة
تَسيلُ في شباك فَيض العُزلَة ،
كأعمى مُمتَلئ بالوَميضِ تَمْشي
صَوبَ الشَّظايا
شَاهداًعلَى مَراثي القَشّ والأفُول
وَكَصمْت ثَقيل سَتسقُط ،
ومن حَولكَ خَرائبٌ تَعلو وتُغمضُ عينَيك !

تلكَ النَّافذَة
لم يَعدْ يَأتي مِنهَا أيُّ صَوت
سَتقولُ أشبَاحُ الوَقت : ماتَ الأخرسْ
وزائركَ الوَحيد
سَيكونُ لَقلاقٌ بلا أطرَاف
عنقُه نَافرٌ وعينَاهُ مُطفأتان
ستقُول امرَأةٌ
كانتْ تُرطّبُ بمطَر الحيَاة حُزنَك
كانَ أبعدَ من حبّ وأقربَ من سمَاء
وفي عينَيه شَظيَةٌ منْ حُلم ،
وآيةٌ من حُزن البلَاد
سَيحضُنك وجهُك الآخَر
كَلماتُ الدُّخان،خَليطُ المنَافي
الَّتي ترنُّ في الصَّمت
ولا ترَى عينَها إلا المرآة
ولا شَيء ..
لا شيءَ آخَر
سوى طَريق تُؤدِّي إلى ثُـقوب العَازفين
وبيَاض يوهمُ يَدكَ بشُعاعٍ منْ سراب
وأنتَ تَمضِي أقلَّ صَمتاً،
تُـصْغِي لارتجاف ورْدكَ في
بقايا وتَـر من نَحيبِ الغيّاب
وأنتَ
تَنزلقُ في لُعبة المُضيء المُعتم !
تَفتحُ أبواباً تُفضي إلى هَمس النَّار ،
ولَذَّة الغَبش الدَّافئ أيَّامَ المطرْ
تَبتعدُ خواتمَ ونَافذَة
لكنَّ ،عُشبةً سَوداءَ تنمُو
يَميلُ بكَ اللَّحنُ
والشُّعلةُ تَترنَّحُ في هَذي الرِّيح
قَلبُك لا تجدُه
عيناكَ لا تُبصران غيرَ الظِّل
تَتألمُ وتَضحكُ
غَيمةٌ تشعلُك وأخرى تُطفئُك
وبَينهُما تَتراقصُ ولا تَصعَد ،
يَستدعيكَ الكَلام
فَتجيءُ منْ صدْع الغيّاب
يجيءُ المَنفيّون دونَ أزهَار ،ولا ذكريَات
يجيءُ النَّايُ ،والأسرَار
يجيء اليُتم،والحيرةُ ،والفَقد
يجيءُ الأسلاف وفي عيُونهمُ الرّعب
يجيءُ الشُّعراء غامضين كحكمَة العُشب
ساطعين كسماء عاليَّة
وعلى شفَاههم لغةٌ هي الماء
هي البدايات
حين تكلمَ الكَون ودارَت الأفْلاك
هيَ ثُقب الصَّمت
حينَ الموسيقَى تَمحو المَعنَى
وتنَامُ في حضْن الشَّمس
هي خُطوةُ العَـابر
وبها يَرتقُ جثَّته ويَتقـرّى وجْهَهُ
في بيت الحُب والدَّهشة والرُّؤيا والتَّكوين
هي مَا تَسمَعُ داخلَك
تتنزَّلُ
سَكرات تَتخطَّفكَ إلى برْق بَعيد
وأنتَ كَشطْح الصَّمت
تَختطُّ بَصمَة بينَ الشُّعلَة والرَّماد ،
وَ تَجرحُ اللَّيل بأغْنيَّاتهَا
وكصَمت ثَقيل سَتسقُط
حَالماً باللَّهب الفَذّ ،
قُربَ كمَان قَطَّع أوتَارهُ الظَّلام !

كأسُك الأخيرَة فارغَة ،
اَلشَّمعةُ تَعبتْ منَ لُعبة الجُثَّة والظّلال
وخَرجتْ إلَى تَيهٍ آخرْ
لا أثرَ للفَراشَة
لا شيءَ غيرَ ثُقوبٍ سَودَاء على
الجَسدِ والْجدَارْ ..!
فنمْ يا مَلاكي الصَّغير!
لا النَّارلَك
ولَا المُوسيقَى لتشعلَ الكلمات
وتَسمعَ الأيائلَ تَتحدّثُ عن النُّجوم والشَّفق
نمْ على طرَف آخرِمَوجَة في الخيَال !
سَتغرقُ الكلمَات في تقنيَّة اللاشَيء
سَيكثرُ الذُّبابُ الأزرَق ،
فحَاذرْ أنْ يَنهشَك !
ستَشيخُ بينَ طُرق الصَّدى واليَأس
ويَسألك الصَّمت
يَسألكَ مَطرٌ نثَرأسرارهُ في الذّاكرَة
يَسألكَ الرَّعدُ عنْ أبنائه
تَسألكَ الأرْض عنْ صَرخَة الأشجَار المَكتُومة
تَسألكَ جِهاتُ القَلب
عنْ فضَّة النَّهر ،
وعن غُرباء مضَوا إلى فتنَة الجمَالْ ،
فلم يعودوا ،
ولا أحَد قرأَ غَيمةً خبَّؤُوا فيهَا مَوتهُم !

لا مَطلَع يبرقُ في روحكَ ،
ويُعيدُكَ لمَجد السَّنابل والأغنـيّات
جَماجم تجيءُ ودمٌ يعلو
وَليلٌ يحلُّ في لَيل
لَم يبقَ من الحبّ غَيرالظِّلالْ
النَّافذَةُ غَارتْ في ميَاه الخَديعَة
الوَردةُ الحَمراءُ انطفَأتْ
والصَّوتُ ؟
آهِ ..
يا أغنيةَ البَحر
مَا أتعسَ الغَريب ،
يُراهنُ على مَوجَة في الحُلم ويرفعُها
صَوتا في مَهبِّ الرّياح !
فاقرأ يَا مَلاكي الصَّغير خَاتمةً للظِّلال !
إني غَائبٌ
يُثقلُني خَرسي ،
فأتفسَّخ في الخسَارات وأتجسَّس عَبثاًعلى الأمَل
وفي رأسي تَكبُر طُيور من دخَّان
أسمعُ نداءات تَحملُها الرِّيحُ والظِّلال
لم يشتَبه عليَّ الحُلم
لكنها ،الوردَة ..
غيَّرتْ مكانَها إلى موجَة ميتَة !
روحي وإنْ تَعود لا تجدُ إلا الصَّفيــــر!
بقـايَـاي قَهقهات ..
أصَابعٌ تتآكل وبينها يَذوِي الألَم !
أحاول النِّسيان
لكنَّه،صَدعُ الغياب يُذكِّرني
بأنِّي لا وَجهَ لي
تَجرفُني لعبةُ الصّدى والظِّلال

04 / 2015

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى