ماجد حميد الغراوي - متاهة أُوديب.. قصة قصيرة

في الرؤيا: كانت خطواته المتعبة تتعثر بين الأزقة الضيقة ؛ وشوارعها الطويلة التي لم يجد لها نهاية ولم يكن في مقدوره أن يتذكر بدايتها ، تحيط به المنازل الغريبة ووجوه الناس الممسوخة ، وجوه بلا ملامح ، و بلا قسمات بشرية ، أثارت في نفسهِ شيئا من الخوف ، وزادت رائحة الطرق الترابية والبنايات القديمة من ألم الصداع في رأسهِ ، وبعثت الغربة الكئيبة شعوراً متشائماً في نفسهِ ، وراوده إحساس بأنه بات يدنو من نهايةٍ تبدو مخيفة له بعد التيه الذي مني به حين فقد أمه في عالم من الضياع المجهول ، فتوارت ملامحها بعيداً عن ذاكرته ، ولكن حنيناً يجذبه إليها وإلى البحث عنها لعله يعثر عليها فيجد الإطمئنان بين أحضانها ، فهي منبع الأمان الوحيد له وهي نبض الحياة ، وكأن هاتفاً وقوة خفية في داخله يدعوانه بقلق أن لا يمعن في التفكير لأن موجة الخوف والتشاؤم التي تنتابه تجعل من الهواجس التي تراوده وحوشاً مرعبة تثير الفزع الكامن في أعماقه ، وشعر بكآبة جديدة وقلق يتنامى في صدره ورعب يضيق عليه أنفاسه اثر حلول ظلام الغروب ، فيما أخذت الأفكار وبواعث الفزع تتملكه فيركض بخطوات متعبة يروم نهاية الطريق اللامتناهي ، واللهاث يفقده السيطرة على تتابع أنفاسه ويزيد من دقات قلبه . ويأخذ قي مناجاة حيرته ووحدته :
- (( يا لهذا الخوف الذي ملأ كياني والظلمة الموحشة وهي تزيد من لوعتي . ها أنذا أتوق الى مجهول لا أراه في ساعتي هذه ولا أستطيع أن أعرف له أسماً ................................
ويا لهذه القشعريرة اللعينة التي تنتابني وهذه البرودة القارسة تخترق عظامي المنخورة فيرتعش جسدي كالمذبوح الذي تنتزع روحه انتزاعاً )) ..
وهكذا وجد نفسه في مفترق الطرق ، وسط ظلام كئيب تحيط به كلاب مفترسة من كل الأتجاهات وقد كشرت عن أنيابها وكأنها تسعى لأفتراسهِ فلا مفر له منها وهاهي تقترب منه ويعلو نباحها عالياً فيضيع صراخه ولا أحد يسمع صوته المتخاذل . ولكنه يصحو من كابوس ترك في نفسه رعباً ظلّٓ قلبه يخفق لصداه .

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى