محمد مزيد - البئر العجيبة.. قصة قصيرة

أخذتني نور أبنة عمتي عمرها 21 سنة ذات جدائل سود، الى المكان الغامض، الذي حدثتني عنه ليلة الأمس، ونحن ننام فوق السوباط تحت نخلة البرحي . أعرف أن خيال قريبتي لا يحده حد، وبمرور الأيام ، أكتشفتُ إنها تتمتع بطريقة إصغائي لها ، مما حفزها إلى الكثير من القول عن ذلك المكان الغامض. فقالت لي : هنا بئر هو عبارة عن فوهة مفتوحة في الأرض في جهتنا تمتد الى أعماق الأرض، حتى تصل الى أرض جديدة، من الجهة الأخرى .
لم يستوعب عقلي كلامها، أنا الذي يكبرها بسنة واحدة، أن تكون فوهة البئر مفتوحة إلى الجهة الأخرى من الأرض. قالت إن الكثير من الناس الغرباء يأتون إلينا من سكان تلك الأرض من الجهة الأخرى عبر فوهة البئر، يأكلون تمر البرحي ويشربون لبن الجاموس، ثم يرحلون من حيث أتوا عبر الفوهة نفسها .
بقيت في الليل أتقلب على الفراش، وأنا أنظر الى نجوم السماء القريبة من السوباط، حتى توقعت سقوطها علينا من شدة قربها، قلت لها في الصباح، " يجب أن أرى البئر في المكان الغامض". فأخذتني بعد تناول الفطور.
وصلنا الى البئر، نظرت إليها، فوجدتها فوهة سوداء شديدة السواد، لا أثر لقاعها، أرتجف قلبي، شعرت بالخوف، ضحكت هي علي، قالت " جبان، لماذا لا تنظر طويلا الى البئر؟ " وانا أرتجف، سألتها: "هل يمكن لأنسان أن يذهب من هنا الى تلك الأرض في الجهة الأخرى؟ "
فقالت: " كل الذين دخلوا الى البئر، لم يعودوا، عمي نشمي كان هارباً من حرب إيران، ولما حاصروه الأنضباطية، دخل الى البئر هرباً منهم، ولم يعد، وخالي سوادي هرب من الجيش الشعبي، ولما حاصروه عناصر الفرقة الحزبية، دخل الى البئر، ولم يعد، صبرية بنت حجي لفته، لما وجدوها نائمة عارية في مشحوف نايف الذي رمى نفسه في النهر، طاردوها أهلها وركضوا خلفها وهي عارية، لأنها فقدت شرفها مع نايف، ثم دخلت الى البئر، ولم تعد لحد الان" ، فقلت لها "ربما ماتوا أو غرقوا في مياه البئر" .
ضحكت مرة ثانية، قالت: " كلا، يذهبون الى هناك ويتزوجون من نساء حلوات شقر. ففي يوم اطل علينا صبي بعمر ( 10 ) سنوات قال أن أسمه جوني وأسم والده نشمي ، عرفنا إنه أبن عمي نشمي ، بقي جوني معنا أسبوعا، يحدثنا عن جمال الحياة في بلادهم هناك في الجانب الآخر من الأرض ، يتحدث بلغة عربية ركيكة، ومعها بعض الكلمات الإنجليزية ، قال أن أمه شقراء اسمها رنيكيا ، تعرف عليها والده نشمي، في أول يوم وصل به الى بلادهم وتزوجها .
اخذنا الصبي الى جده، وهو جدي والد ابيه نشمي، فاحتضنه وشم رائحته، وحمد الله أن أبنه مازال على قيد الحياة، ثم بكي جدي فرحا ، بعد أسبوع ودعنا جوني وقال أعطوني تمرا من البرحية آخذه هدية منكم، فحمله جدي زنبيلا ملأه بالبرحي ثم دخل الى البئر واختفى" .
نظرت نور الى عيني، فوجدتني متلهفا الى شيء ما، ثم أخبرتني بأن الكثير من الجنود الذين هربوا من حرب إيران، جاءوا الى البئر، دخلوا فيه ولم يعودوا. غير أن الحكومة اكتشفت سر هذا البئر، أخذت تنفي كل واحد لا يعجبها، بإلقائه في البئر، ثم يعودون بعد سنوات يحملون أطفالا معهم، ومرات يجلبون نساءهم الشقر يمضون بضعة أيام، ثم يلجأون الى البئر بهدف العودة الى ديارهم الجديدة.
أيقنت أنها لا تكذب، وأن كلامها ليس من الخيال، بعد أن تأكدت من عمتي، التي هي أمها، عن ذلك، لكنها حذرتني من الإقتراب منه لأنني أمانة عندها.
في اليوم التالي، أخذت نور، سحبتها من يدها الى البئر، وقفنا عند فوهته نفكر، حتى قلت لها: ما رأيك؟ الحياة هنا جافة لا مستقبل لنا. فقالت فرحة: هيا.
دخلت البئر قبلي، وفعلت مثلها، وصلنا الى الجانب الآخر من الأرض خلال ساعات ، ها نحن نعيش في آخر الدنيا ، تزوجنا وأنجبنا ولدا وبنتا، ولكنني في الليل، قبل أن أطارحها الغرام، أقول لها: والله أشتقت الى تمر البرحية، وهي تقول: أنا أيضا ، لكننا لم نقرر العودة الى بلادنا حتى الان .

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى