منصف سلطاني - حنين...

كان عليه أن يتظاهر أنه بخير ... و هذا أمر يفعله منذ سنتين ... منذ أن همست الطبيبة أنّها ٱسفة لخسارته ...
منذ سنتين ... تميد الأرض به كل صباح فيتّكأ على الحائط ... يمضي بعدها الى المطبخ ... يعدّ الفطور ... ملعقتين من مربّى التين و ملعقة من الزبدة و كأس حليب دافىء و بيضة مغلية لسبع دقائق ... يحمل الطبق ... يطرق الباب طرقات خفيفة و يدخل ليوقظ زوجته راسما إبتسامة على وجهه ... يقبلها و يرفعها قليلا على الوسادة ... و يطعمها الفطور قطعة قطعة ... و لا ينسى قبل أن يغادر أن يعلمها كم هي جميلة هذا الصباح ...
منذ سنتين ... يكوي قميصه بتأن ... و يختار ربطة عنق قليلة الزخرفة و الألوان ... يحمل محفظة جلدية لا يعلم ما في داخلها من أوراق و يغادر الشقة ...
منذ سنتين ... يلقي السلام على حارس العمارة و يجيبه على نفس السؤال بنفس الإجابة : " إن شاء الله لاباس ... خير شويّة اليوم " ... يمضي بعدها إلى الكشك يشتري سجائر و جريدة لن يقرأها فقط ليحملها تحت إبطه عبر الرصيف الطويل إلى العمل .
منذ سنتين ... يسأل السكرتيرة عن مواعيد العمل و المراسلات ... فتجيبه بكلمات لا يتبيّنها ... و يأمرها أن لا تمرر له أي مكالمة لأن له أطنانا من العمل مشيرا الى المحفظة السميكة ... يدخل مكتبه يمضي الى الباب الخلفي للمكتب و يغادر عمله ...
منذ سنتين ... يمضي الى المقبرة ... يجلس بجانب قبر ابنته ... يعلمها بكلمات بسيطة مدى سوء حاله ... و أنه يتظاهر فقط أنه بخير ... و أن أمها أصبحت عاجزة عن المشي ... ينظر إلى ساعته قبل أن يغادر و يخبرها أنه لم يستطع البكاء البارحة أيضا .

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى