بهاء المري - المشكلات العملية في جرائم الامتناع عمدا عن تسليم نصيب شرعي من الميراث أو تسليم سند لمن يطلبه من الورثة الشرعيين وحجب سند يؤكد نصيبا لوارث

المشكلات العملية
في جرائم الامتناع عمدا
عن تسليم نصيب شرعي من الميراث
أو تسليم سند لمن يطلبه من الورثة الشرعيين
وحجب سند يؤكد نصيبا لوارث

تقديم:

لم يكن هناك حماية جنائية للورثة بصدد الميراث أو السندات المؤكدة لنصيب وارث، منذ صدور القانون رقم 77 لسنة 1943 بشأن المواريث، إلى أن صدر القانون رقم 219 لسنة 217. والذي أضاف إلى القانون الأخير بابًا تاسعًا بعنوان (العقوبات) يتضمن مادة جديدة برقم (49) نصها الآتي:
- "مع عدم الإخلال بأية عقوبة أشد ينص عليها أي قانون آخر، يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر وبغرامة لا تقل عن عشرين ألف جنيه ولا تجاوز مائة ألف جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل من امتنع عمدا عن تسليم أحد الورثة نصيبه الشرعي من الميراث، أو حجب سندا يؤكد نصيبا لوارث، أو امتنع عن تسليم ذلك السند حال طلبه من أي من الورثة الشرعيين.
وتكون العقوبة في حالة العود الحبس الذي لا تقل مدته عن سنة.
ويجوز الصلح في الجرائم المنصوص عليها في هذه المادة في أي حالة تكون عليها الدعوى ولو بعد صيرورة الحكم باتا، ولكل من المجني عليه أو وكيله الخاص، ولورثته أو وكيلهم الخاص، وكذلك للمتهم أو المحكوم عليه أو وكيلهما الخاص، إثبات الصلح في هذه الجرائم أمام النيابة أو المحكمة بحسب الأحوال.
ويترتب على الصلح انقضاء الدعوى الجنائية ولو كانت مرفوعة بطريق الادعاء المباشر، وتأمر النيابة العامة بوقف تنفيذ العقوبة إذا تم الصلح أثناء تنفيذها، ولا يكون للصلح أثر على حقوق المضرور من الجريمة".

- المشكلات العملية التي تثور بمناسبة هذه الجرائم:

- الطبيعة القانونية للجرائم.
- هل يشترط أن يكون المتهم وارثا؟
- سبق صدور حكم بات في ذات المسألة.
- الوضع فيما قبل صدور المادة 49 من ق المواريث.
- الوضع في حالة الشيوع.
- الدفع بعدم القبول لتداول دعوى فرز وتجنيب أو قسمة، أو أثر صدور حكم فيها.
- أو لكون حصة الميراث لم يتم فرزها.
- بدء تقادم الجريمة.
- أثر الحكم الجنائي في هذه الجرائم على الدعوى المدنية اللاحقة.
- مدى جواز إقامة الدعوى بالادعاء المباشر.
- مدى دستورية المادة 49 من ق المواريث.
- حجية إعلام الوراثة.
- الموقف إذا كان المورث قد باع العين بتوكيل قبل موته ولم تنقل الملكية للمشتري.
- موقف الزوجة عرفيًا وأولادها.
- وضع دعوى الريع وصدور حكم فيها.
- طلبات استخراج شهادات من قسم المرور والشهر العقاري والجمعية الزراعية
- هل يجوز للمحكمة طلب تحريات الشرطة بصدد هذه الجريمة؟
- هل هذه الجرائم من جرائم الشكوى.

- تعريف الميراث:

لم يتطرق المشرع المصري إلى تعريف الميراث، وعرفته بعض القوانين العربية - القانون الأردني - بأنه انتقال حتمي لأموال وحقوق مالية بوفاة مالكها لمستحقيها.
وعرفه بعض الفقه بأنه خلافة إجبارية للوارث في مال مورثه أو في حق قابل للخلافة.
وعرفه البعض بأنه قواعد من الفقه والحساب يُعرف بها المستحقون للتركة ونصيب كل مستحق.
وعرفه آخرون بأنه ما خلفه الميت من الأموال والحقوق التي يستحقها بموت الوارث الشرعي.

- أسباب الإرث:

أسباب الإرث: الزوجية والقرابة والعصوبة السببية.
يكون الإرث بالزوجية بطريق الفرض.
ويكون الإرث بالقرابة بطريق الفرض أو التعصيب أو بهما معا، أو بالرحم مع مراعاة قواعد الحجب والرد.
فإذا كان لوارث جهتا إرث ورث بهما معا مع مراعاة أحكام المادتين 14 و37 (م 7).

- استحقاق الإرث:

- يستحق الإرث بموت المورث أو باعتباره ميتا بحكم القاضي (م 1)
- يجب لاستحقاق الإرث تحقق حياة الوارث وقت موت المورث أو وقت الحكم باعتباره ميتا. ويكون الحمل مستحقا للإرث إذا توافر فيه ما نص عليه في المادة 43 (م 2).

- استحقاق التركة بغير إرث:

إذا أقر المَيت بالنسب على غيره، استحق المُقَـر له التركة إذا كان مجهول النسب ولم يثبت نسبه من الغير ولم يرجع المُقِـر عن إقراره.
ويشترط في هذه الحالة أن يكون المُقَــر له حيًا وقت مَوت المُقر أو وقت الحكم باعتباره ميتًا، وألا يقوم به مانع من موانع الإرث (م 41).

- المقصود بالحرمان من الميراث:

الحرمان من الميراث هو منع الوارث من ميراثه الذي يستحقه شرعا بغير حق، سواء أكان المنع من أحد الورثة، أم من غيره.

- الركن المادي للجرائم:
ـ
- شرط مفترض:

- أن يكون الطلب أو السند منصبًا على تركة مورث.
- أن يكون الطالب وارثا يستحق نصيبًا في التركة. فلا يكفي كون الطالب أو المجني عليه وارثا فقط، وإنما وارثا يستحق نصيبا في التركة، فقد يكون وارثا محجوبًا لسبب ما من أسباب الحَجب.
- أن تكون التركة تحت يد أحد الورثة أو غيره.
وهو ما يستتبع لصحة الوقوف على ذلك، وجود إعلام شرعي، وسند ملكية المورث أو ما يدل على وجود تركة، وتقديم الدليل على وجود الميراث تحت يد أحد الورثة وأنه يمتنع عن تسليمه.
وقد يكون الممتنع عن التسليم مستأجر حائزا لأرض أو عقار من ضمن تركة المورث، أو كانت تحت يد أمين عليها كما يحدث في الجلسات العرفية.
ولا يشترط أن يكون الممتنع عن تسليم السند أو الحاجب له من بين الورثة فقد يكون شخصا آخر له عليه يد أمانة أو منوطا به حفظه. وقد يكون هو الوصي.
والركن المادي في هذه الحالة يتمثل في حجب سند عن صاحب المصلحة فيه وبالتالي لا يتمكن من المطالبة بتسليمه نصيبه في الميراث.
ويدخل في معنى حجب السند إتلافه أو تسليمه لآخر من الورثة أو من غيرهم.

- المقصود بالامتناع:

الامتناع هو إحجام شخص عن القيام بعمل أوجب عليه القانون القيام به، وأن يكون في استطاعته في استطاعته ذلك.
فالامتناع هو سلوك مادي إيجابي يتمثل في اتجاه الإرادة إلى عدم القيام بواجب معين يفرضه القانون. وهذا الامتناع يترتب عليه نتيجة إجرامية، تتمثل هنا في حجب حصة في الميراث عن مستحقها.
وليس كل امتناع يجرمه القانون، وإنما إذا كان القانون يفرض واجبا معينا على شخص ما فيمتنع عن القيام به. وهو هنا واجب فرضته المادة محل البحث المضافة إلى قانون الميراث، مؤداه التزام من له سلطة على تركة مورث أن يسلك كل ذي نصيب نصيبه منها.
والامتناع في هذه الجريمة سلوك إرادي إيجابي كما تقدم القول، وبالتالي فإن الامتناع إذا كان راجعا إلى سبب لا إرادي لمن له سيطرة على الميراث فلا يتوافر به السلوك المادي للجريمة، كما لو كان هناك حكما قضائيا بوقف التعامل في التركة، أو كان مال التركة المحمل بأنصبة الورثة محجوزا عليه لسبب ما.
ولكي يتحقق الامتناع يجب أن يسبقه طلب بالاستلام يعقبه امتناع عن التسليم.
- محل الامتناع:

أولا - حصة في الميراث:

محل الامتناع في الجريمة هو حصة في الميراث تعد نصيبا لوارث. سواء كانت شائعة أم كانت مفرزة.

- الوضع في حالة الشيوع:

إذا كانت حصص الورثة الشركاء مفرزة فلا تثور مشكلة، أما في حالة الشيوع فإن الورثة الشركاء على الشيوع في مال التركة يملك كل منهم في كل ذرة من التركة حتى يتم تصفية التركة. وتنتهي حالة الشيوع بالقسمة سواء أكانت قسمة رضائية أم قسمة قضائية.
ويتصور التسليم في حالة الشيوع بتسليم صاحب الحصة الشائعة حصته إلى غيره من الشركاء لاستغلالها أو استعمالها أو التصرف فيها وفقا لأحكام الشيوع.
ويمكن تصوره فيما لو كانت التركة عقارات وشغل كل وارث وحدة أو أكثر تساوي نصيبه في التركة بالاتفاق الصريح أو الضمني.

ثانيا - سند يؤكد نصيبا لوارث:

السند في هذه الحالة هو كل ما يثبت نصيبا لوارث في تركة مورثه كعقد وصية في التركة سواء كان الموصى له وارثا أو غير وارث.
ويلزم لقيام الركن المادي للجريمة أن يكون هذا السند متعلقا بالتركة الكائن فيها نصيب للمدعي، ومن شأنه تسليمه هذا النصيب.

- القصد الجنائي:

هذه الجريمة من الجرائم العمدية التي يقوم ركنها المعنوي على القصد العام بعنصريه العلم والإرادة.
فيجب لقيام هذا الركن في حق الجاني أن يكون عالما بأن المال الذي يمتنع عن تسليم نصيب المجني عليه فيه هو مال مورثه وأن هذا المجني عليه أحد الورثة وله نصيب فيه، ثم تتجه إرادته إلى إتيان فعل الامتناع.

- لا يشترط أن يكون المتهم وارثا:

عبارة النص واضحة في الدلالة على أن مرتكب هذه الجريمة لا يشترط فيه أن يكون وارثا، ذلك أن النص جرى بعبارة "كل من امتنع" بما يدل على العمومية دون تخصيص، ولو أراد الشارع أن يقصرها على الوارث لقال "كل وارث امتنع" فالمستأجر واضع اليد على التركة أو جزء منها وامتنع عن تسليم حصة يرتكب الجريمة، أو أي واضع يد أيا كان سنده، أو كالمزارع الشريك بالمزارعة إلخ.

الطبيعة القانونية لجرائم الميراث:

فعل الامتناع عن تسليم حصة لوارث أو الامتناع عن تسليمه سند مثبت لهذه الحصة أو حجبه سندا يتعلق بها، يكون جرائم مستمرة متتابعة مجددا؛ مادام الممتنع مستمرا في امتناعه عن التسليم أو الحجب.

- وضع ما قبل صدور المادة 49 من قانون المواريث:

بما أن الجرائم محل البحث من الجرائم المستمرة على النحو مار البيان، فإن التشريع الجديد يسري عليها حتى لو كانت أحكامه أشد من قانون وقعت الجريمة في ظله، علما بأنه لم يسبق للمشرع أن جرم الأفعال المكونة للجرائم محل البحث. وبناء على ذلك فإن القانون الحالي يسري على وقائع الميراث السابقة مادامت حالة الاستمرار قائمة بعد سريانه.

- حجية إعلام الوراثة:

إعلام الوراثة له حجية سواء بشأن تحديد الورثة وأنصبتهم الشرعية، ما لم يصدر حكم على خلافه – وصدور إعلام وراثي جديد، لأن القضاء بإلغائه يستتبع القضاء ضبط مادة الوراثة مرة أخرى وتحديد الورثة وأنصبتهم الشرعية (المادة 25 من ق 1 لسنة 2000 بشأن إعلام الوراثة)
ولا يسري على إعلام الوراثة أحكام تصحيح الخطأ المادي المقررة بنص المادة 191 مرافعات.
وبناء على ذلك فإن الدعوى المقامة ممن سقط اسمه من إعلام الوراثة تكون قد رفعت من غير ذي صفة.

- الموقف إذا كان المورث قد باع العين بتوكيل قبل موته ولم تنقل الملكية للمشتري:

هذه العين تخرج من الميراث لأن العقد العرفي له حجيته فيما بين المتعاقدين، وتسري في مواجهة الخلف الخاص والعام للمورث.
وفي حكم حديث لمحكمة النقض 13/6/2020 قضت بأن تصرف المورث الصادر حال حياته للطاعن في أطيان النزاع من شأنه خروجها من تركته، مؤداه امتناع باقي ورثته عن التعرض للمشتري منه وإضافة القدر المبيع لملكيتهم ولو كان عقد البيع الصادر منه لازال عرفيا. فإذا قضت المحكمة بثبوت ملكية المورث لتلك الأطيان استنادا إلى أنها لازالت باقية على ملكه لاعتبار لأن تصرفه فيها بالبيع كان بعقد عرفي لم يسجل، تكون قد أخطأت في تطبيق القانون.
فالتوريث لا يقوم إلا على ما يُخلفه المورث وقت وفاته، أما ما يكون قد خرج من ماله حال حياته فلا حق للورثة فيه، وليس للبائع – لعدم تسجيل عقد البيع وتراخى انتقال الملكية – أن يطلب الحكم على المشترى بتثبيت ملكيته هو للمبيع، لأن من يضمن نقل الملكية لغيره، لا يجوز له أن يدعيها لنفسه، وكما يجرى هذا الحكم على البائع، فهو يجرى على من يَـخلُـفُه في تركته، فإن على الوارث – كمورثه – أن يقوم للمشترى بالإجراءات القانونية اللازمة للتسجيل، ومتى وجب هذا على الوارث، فلا تقبل منه أيضاً أن يدعى لنفسه ملك المبيع على المشترى، كما أن التزام البائع بضمان عدم التعرض للمشترى في الانتفاع بالمبيع أو منازعته فيه، التزام يتولد عن عقد البيع ولو لم يٌشهر، فيمتنع على البائع التعرض للمشترى، لأن من وجب عليه الضمان يَـحرُم عليه التعرض، وينتقل هذا الالتزام من البائع إلى ورثته، فيمتنع عليهم منازعة المشترى فيما كسبه من حقوق بموجب عقد البيع، إلا إذا توافرت لديهم أو لدى مورثهم بعد تاريخ البيع شروط وضع اليد على العين المبيعة المدة الطويلة المكسبة للملكية( ).

- أثر رفع دعوى الفرز والتجنيب أو القسمة:

- إذا كانت دعوى الفرز والتجنيب قد صدر فيها حكم قبل رفع دعوى الامتناع عن التسليم، وبالرغم من حصول الفرز والتجنيب أو القسمة امتنع الحائز عن تسليم وارث حصته تحققت الجريمة.
- إذا لم يكن قد صدر حكم في دعوى الفرز والتجنيب فعلى المحكمة الجنائية وقف الدعوى لحين الفصل في تلك الدعوى، أو تحققها باعتبارها مسألة أولية لازمة للفصل في المسألة الجنائية.
- إذا أثيرت أمام المحكمة الجنائية مسألة الفرز فعلى المحكمة الجنائية الفصل فيها أيضا كمسألة أولية مدنية.

- موقف الزوجة عرفيًا وأولادها:

المتزوجة عرفيا من المورث هي وأولادها منه ليس لهم صفة في الدعوى ما لم تثبت الزوجية، ومتى ثبتت الزوجية يثبت نسب الأبناء للزوج بالفراش الصحيح).

- مسألة تداول دعوى ريع أو صدور حكم فيها:

دعوى الريع سواء أكانت متداولة أو حكم فيها، لا تمنع من إقامة دعوى مطالبة بحصته في الميراث، لأن الريع من ثمار الانتفاع بالحصة أي فرع من الأصل ويظل من حقه المطالبة باستلام الحصة.

- طلبات التصريح باستخراج شهادات:

سواء أكانت الشهادات من قسم المرور والشهر العقاري والجمعية الزراعية، هي مسألة إثبات للقاضي الجنائي له الحرية في تحقيقها.

- هل يجوز للمحكمة طلب تحريات الشرطة بصدد هذه الجرائم:

نعم يجوز للم حكمة أن تطلب تحريات الشرطة بمناسبة تحقيق تجريه وصولا إلى وجه الحق في الدعوى، كما لو كان المدعي عليه قد قدم شهودا على أن أحد الورثة (المدعي) يحوز شقة تساوي حصته في الميراث. ويحدث ذلك في إعادة الإجراءات في أحكام محاكم الجنايات الغيابية إذا ادعى الطالب أنه ليس المقصود في الحكم.

- هذه الجرائم ليست من جرائم الشكوى:

جرائم المادة 49 من قانون المواريث ليست من جرائم الشكوى لأن جرائم الشكوى بين الأصول والفروع والأزواج محددة على سبيل الحصر باعتبارها قيد على حريمة النيابة العامة في مباشرتها الدعوى الجنائية.

- أثر الحكم الجنائي في جرائم الامتناع في الميراث على الدعوى المدنية اللاحقة:

القاضي المدني لا يرتبط بالحكم الجنائي إلا في الوقائع التي فصل فيها هذا الحكم وكان فصله فيها ضروريا (م 102 إثبات).
وبناء على ذلك فإن الحكم الجنائي الصادر بالبراءة أو بالإدانة في جرائم الامتناع في الميراث، لا تمنع من المطالبة بالميراث أمام القضاء المدني لاختلاف الأساس في الدعويين.

- مدى دستورية نص المادة 49 من قانون المواريث:

قانون إضافة المادة 49 سالفة الذكر لا يمس المواريث ولا الأنصبة الشرعية التي هي محددة شرعا، وبناء على ذلك فإنها لا تناقض أحكام الدستور. (الدعوى رقم 31 لسنة 47 ق دستورية جلسة 6/11/2021).

- يجوز إقامة الدعوى بالادعاء المباشر:

مادامت الدعوى من الجنح والمخالفات فإنه يجوز إقامتها بطريق الادعاء المباشر، فيما عدا ما استثني بنص خاص مثل جرائم الموظف العام التي تقع أثناء أو بسبب وظيفته
- على المحكمة الجنائية التعرض للمسائل العارضة الأولية:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
- فقد تثور المسائل العارضة التالية:
- عدم تحديد مصفي للتركة بعد.
- وجود ديون على التركة.
- وجود وصية من المورث.
- سبق صدور حكم بات.
- القاعدة العامة في المسائل العارضة:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الأصل هو أن المحكمة الجنائية مختصة بموجب المادة 221 من قانون الإجراءات الجنائية بالفصل في جميع المسائل التي يترتب عليها الحكم في الدعوى الجنائية المطروحة أمامها، دون أن تلتزم بأن تعلق قضائها على ما عساه أن يصدر من أحكام في شأن نزاع مدني قائم على موضوع الجريمة، ولا يستثنى من ذلك إلا المسائل الأولية التي يتوقف عليها قبول الدعوى ذاتها، وحالات الوقف التي يتوقف فيها الحكم في الدعوى الجنائية على الفصل في دعوى جنائية أخرى، أو على مسألة من مسائل الأحوال الشخصية طبقا لما نصت عليه المادتان 222 و 223 من القانون المشار إليه( ).

أولا ـ المسائل العارضة المدنية:

القاضي الجنائي يختص بالفصل في جميع المسائل المدنية التي يتوقف عليها الحكم في الدعوى الجنائية، ومن ثم "فإن المحكمة إذ دانت المتهم في جريمة تأجير محل بإيجار يزيد على أجر المثل والزيادة المقررة قانونا، دون انتظار الفصل في الدعوى المدنية المرفوعة بشأن تخفيض الأجرة لا تكون قد خالفت القانون( ).
وإذا كان الحكم قد التفت عن طلب تعليق الفصل في الدعوى الجنائية لحين الفصل نهائيا في الدعوى المدنية الخاصة بالمنازعة في طبيعة عقد الايجار يكون قد اقترن بالصواب( ).

ـ ملاحظة هامة:

طرق الإثبات الواردة في القانون المدني ليست من النظام العام وإنما هي مقررة لمصلحة الخصوم ولذلك يجوز التنازل عنها.
أما في المسائل الجنائية، فيجوز إثبات الجرائم على اختلاف أنواعها بكافة طرق الإثبات إلا ما استثنى بنص خاص، ففي جريمة خيانة الأمانة، فإن المحكمة في حل من التقيد بقواعد الإثبات المدنية عند القضاء بالبراءة، لأن القانون لا يقيدها بتلك القواعد إلا عند الإدانة في خصوص إثبات عقد الأمانة( ).
فإذا كان المتهمان الثاني والثالث دفعا بانتفاء مسئولية أولهما كمقاول للبناء، وانتفاء مسئولية ثانيهما كمهندس له، لانقضاء مدة الضمان عملا بحكم المادتين 651 و 652 من القانون المدني، مردودا بأن مفاد نص المادتين المشار إليهما أن الضمان قاصر على مسئوليته المدنية سواء كانت مسئولية عقدية أو تقصيرية، ولا تتعداه الى نطاق المسئولية الجنائية يؤيد ذلك ما نصت عليه المادة الثامنة من القانون رقم 106 لسنة 1976 في شأن توجيه وتنظيم أعمال البناء المعدلة بالقانون رقم 30 لسنة 1983 أنه لا يجوز صرف ترخيص البناء أو البدء في التنفيذ بالنسبة الى الأعمال التي تصل قيمتها ثلاثين ألف جنيه، والتعليات مهما بلغت قيمتها إلا بعد أن يقدم طالب الترخيص وثيقة تأمين .... وتغطى وثيقة التأمين المسئولية المدنية للمهندسين والمقاولين عن الأضرار التي تلحق بالغير بسبب ما يحدث في المباني والمنشآت من تهدم كلى أو جزئي، ومن ثم، فلا ينال من سلامة الحكم التفاته عن الرد على ما دفعا به في هذا الشأن، لأنه دفاع قانوني ظاهر البطلان في شأن إثبات شخص المهندس الذى قام بعمل الرسومات لتحديد من تقع عليه المسئولية الجنائية عند مراعاة الأصول الفنية فيها، وكذا الشأن فيما نصت عليه المادة 12 من القانون 106 لسنة 1976 والتي اشترطت أن يقدم المالك للجهة الإدارية المختصة بشئون التنظيم تعهدا كتابيا من المهندس الذى اختاره يلتزم فيه بالإشراف على تنفيذ الأعمال المرخص بها في حالة تحلل المهندس من الاشراف عليه، إخطار الجهة كتابة بذلك فقد قصد المشرع من ذلك ذات المصلحة العامة سالفة البيان، ولا تتضمن المادتان سالفتا الذكر أي استثناء على حرية القاضي الجنائي في تكوين عقيدته وتحصيل فهم الواقع في الدعوى، وتقدير الأدلة المقدمة فيها، فإذا ما ثبت بالدليل اليقيني الذى أطمأنت إليه المحكمة، أن المتهم الرابع هو القائم بالإشراف على أعمال البناء، ولم يقدم ذلك المتهم ما ينفى ذلك القول، فإنه يتعين رفض ذلك الدفاع. ما أورده الحكم على ما سلف ردا على الدفاع المشار إليه سائغ وكاف وصحيح في القانون، ذلك أنه من المقرر أن الجرائم على اختلاف أنواعها إلا ما استثنى بنص خاص جائز إثباتها بكافة الطرق بما في ذلك البينة وقرائن الأحوال، وإذ كانت الجريمة التي دين بها الطاعن الثالث، ليست من الجرائم المستثناة من هذا الأصل، كما أن صفته كمهندس هي عنصر من عناصر هذه الجريمة، ومن ثم يعتبر مسألة جنائية ولا تعد من المسائل الغير جنائية التي يسرى عليها نص المادة 225 من قانون الإجراءات الجنائية، ويكون نعيه في هذا الصدد غير سديد( ).

- المسائل العارضة الجنائية:

يختص القاضي الجنائي بالفصل في المسائل الجنائية العارضة والتي يتوقف عليها الفصل في الدعوى الجنائية التي ينظرها ولو لم تكن تلك المسائل العارضة داخلة في اختصاصه، فإذا كان ينظر دعوى بلاغ كاذب عن جناية، فإن له الفصل في مسألة وقوع الجناية من عدمه وصولا إلى مدى قيام أركان جريمة البلاغ الكاذب.
وإذا كان محامي المتهم بتبديد محجوزات قد دفع التهمة بأن الأرض كانت مغمورة بمياه الفيضان في التاريخ المقول بوقوع جريمة التبديد فيه، وما كان الصراف يستطيع الانتقال لمكان الأشياء المحجوزة وطلب تمكينه من إحضار شهود على ذلك، فلم تلتفت المحكمة إلى دفاعه ودانته بجريمة التبديد استنادا إلى أن الصراف انتقل في يوم البيع إلى مكان الحجز فلم يجد القطن والذرة المحجوز عليها ولم يقدمها له المتهم، وكانت المحكمة لم تجبه إلى طلب تحقيق دفاعه الذي تمسك به أمامها، وهو دفاع جوهري لو صح لتغير وجه الرأي في الدعوى فإن الحكم يكون معيبا بما يستوجب نقضه( ).

ـ شرط التعرض للمسألة العارضة:

ويشترط لتعرض القاضي الجنائي للمسألة العارضة الجنائية ما يلي:
أولا ـ أن تكون المسألة العارضة يتوقف عليها الحكم في الدعوى المنظورة أمامه.
ثانيا ـ ألا تكون المسألة العارضة قد حُركت بشأنها الدعوى الجنائية أو كانت منظورة أمام المحكمة المختصة أو كانت أمام سلطة التحقيق، فإذا كانت كذلك، فإنه يتعين وقف الدعوى الجنائية لحين الفصل في تلك المسألة العارضة الجنائية بحكم بات حائز لقوة الأمر المقضي، وهو ما نصت عليه المادة 222 من قانون الإجراءات الجنائية من أنه "إذا كان الحكم في الدعوى الجنائية يتوقف على نتيجة الفصل في دعوى جنائية أخرى وجب وقف الأولى حتى يتم الفصل في الثانية".
فإذا فصل القاضي في المسألة العارضة الجنائية دون أن يوقف الدعوى لحين انتهاء سلطات التحقيق أو المحاكمة إذا كانت قد حركت أمام محكمة أخرى، كان حكمه باطلا لتعلق ذلك بالنظام العام.

ـ حجية الحكم الصادر في المسألة العارضة الجنائية:

إذا كانت المسألة العارضة الجنائية التي يتوقف عليها الحكم كانت قد حُركت بشأنها الدعوى الجنائية، وكان المشرع قد أوجب على القاضي وقف الدعوى لحين الفصل في هذه المسألة العارضة، فإن مؤدى ذلك أن الحكم الصادر في هذه المسألة يحوز حجية أمام القاضي الذي ينظر الدعوى الأصلية، فإذا كان الحكم صادرا بالبراءة لعدم صحة الواقعة أو عدم كفاية الأدلة، امتنع على القاضي اعادة بحث هذه المسألة العارضة وكذلك الحال إذا كان الحكم الصادر فيها بالإدانة وجب عليه الالتزام بحجيته.
أما إذا كانت البراءة مبنية على تشكك المحكمة في التهمة فلا يمنع المحكمة المطروحة أمامها الدعوى الأصلية من أن تبحث هذه التهمة طليقة من كل قيد( ).
وإذا كان الحكم قد أسس إدانة المتهم على حكم قابل للطعن فيه ثم حكم بعد ذلك بنقضه فإنه يكون معيبا واجبا نقضه ( ).
ـ للقاضي الجنائي سلطة واسعة تكفل له كشف الواقعة:
القاضي الجنائي وهو يفصل في الدعوى الجنائية بالإدانة أو البراءة، يمتع بسلطة واسعة تكفل له كشف الواقعة على حقيقتها كي لا يعاقب برئ أو يفلت جانى، فإنه لا يتقيد في ذلك إلا بقيد يورده القانون ومن ثم كان له الفصل في جميع المسائل التي يتوقف عليها الفصل في الدعوى الجنائية، لأن قاضي الأصل هو قاضي الفرع، وليس عليه أن يقف الفصل فيها تربصا لما عسى أن يصدر من أية محكمة غير جنائية من محاكم السلطة القضائية أو من أية جهة أخرى، وهو لا يتقيد بأي قرار أو حكم يصدر فيها، اللهم إلا بحكم قد صدر فعلا من محكمة الأحوال الشخصية في حدود اختصاصها، وفي المسألة فحسب التي يتوقف عليها الفصل في الدعوى الجنائية وفق صريح نص المادة 458( ) فالبت في صورية الحوالة يتوقف عليه الفصل في جريمة التبديد، فإن الاختصاص في شأنها ينعقد للمحكمة الجنائية( ).
وإذا تبينت المحكمة لزوم الفصل في ملكية العقار محل النزاع للقضاء في الدعوى الجنائية المرفوعة أمامها، كان عليها أن تتصدى بنفسها لبحث عناصر هذه الملكية والفصل فيها فإن استشكل الأمر عليها أو استعصى، استعانت بأهل الخبرة وما تجريه هي من تحقيقات مؤدية حتى يتكشف لها وجه الحق، أما وإنها لم تفعل فإن حكمها يكون معيبا بما يستوجب نقضه بالنسبة إلى الدعوى المدنية والإحالة( )
وإثبات الفعل الجنائي بكل الطرق القانونية بما فيها شهادة الشهود جائز، ولو تضمن ذلك في ذات الوقت إثبات تصرف مدنى يجاوز نصاب الإثبات بالبينة( ).
وجريمة إعطاء شيك بدون رصيد تتحقق بمجرد إعطاء الساحب الشيك إلى المستفيد مع علمه بأنه ليس له مقابل وفاء قابل للسحب، إذ يتم بذلك طرح الشيك في التداول فتنعطف عليه الحماية القانونية التي أسبغها الشارع بالعقاب على هذه الجريمة، باعتباره أداة وفاء تجري مجرى النقود في المعاملات، ولا عبرة بعد ذلك بالأسباب التي دفعت لإصدار الشيك لأنها من قبيل البواعث التي لا تأثير لها في قيام المسئولية الجنائية، ما دام الشارع لم يستلزم نية خاصة لقيام هذه الجريمة، فلا محل لما يحتج به من صدور حكم مدني حائز لقوة الشيء المقضي بأن الشيك حرر ضمانا لعملية تجارية، لما هو مقرر وفقا للمادة 457 من قانون الإجراءات الجنائية من أنه لا يكون للأحكام الصادرة من المحاكم المدنية قوة الشيء المحكوم به أمام المحاكم الجنائية فيما يتعلق بوقوع الجريمة ونسبتها إلى فاعلها، ذلك أن الأصل، أن المحكمة الجنائية مختصة بموجب المادة 221 من قانون الإجراءات الجنائية بالفصل في جميع المسائل التي يتوقف عليها الحكم في الدعوى الجنائية أمامها، ما لم ينص القانون على خلاف ذلك، وهي في محاكمة المتهمين عن الجرائم التي يعرض عليها الفصل فيها، لا يمكن أن تتقيد بأي حكم صادر من أية جهة أخرى مهما كانت، وذلك ليس فقط على أساس أن مثل هذا الحكم لا تكون له قوة الشيء المحكوم فيه بالنسبة للدعوى الجنائية لانعدام الوحدة في الخصوم أو السبب أو الموضوع، بل لأن وظيفة المحاكم الجنائية والسلطة الواسعة التي خولها القانون إياها للقيام بهذه الوظيفة بما يكفل لها اكتشاف الواقعة على حقيقتها، كي لا يعاقب بريء أو يفلت مجرم، ذلك يقتضي ألا تكون مقيدة في أداء وظيفتها بأي قيد لم يرد به نص في القانون( ).
ومتى كان الحكم المطعون فيه قد عرض لما أثاره المتهم بشأن عدم توافر أركان جريمة النصب التي دانه بها، تأسيسا على حقه في التصرف للغير فيما آل إليه بمقتضى عقود عرفية، وأوضح الحكم أن المتهم لم يكن مالكا للأرض التي تصرف فيها بالبيع، وكان على علم بعدم ملكية البائع له لشيء من تلك الأرض، وانتهى إلى أنه قد تصرف فيما لا يملك، ودون أن يكون له حق التصرف، وأن ما أثاره يوفر في حقه الاحتيال الذي تتحقق به جريمة النصب التي دانه بها فإن ما أثبته الحكم في هذا الصدد يتفق وصحيح القانون( ).
ـ لا يتقيد القاضي الجنائي بأي حكم صادر من أية جهة مهما كانت المحكمة الجنائية لا تتقيد في محاكمة المتهمين عن الجرائم التي يعرض عليها الفصل فيها بأي حكم صادر من أية جهة أخرى مهما كانت، وذلك ليس فقط على أساس أن مثل هذا الحكم لا يكون له قوة الشيء المحكوم به بالنسبة للدعوى الجنائية لانعدام الوحدة في الخصوم أو السبب أو الموضوع، بل لأن وظيفة المحاكم الجنائية والسلطة الواسعة التي خولها القانون إياها للقيام بهذه الوظيفة بما يكفل لها اكتشاف الواقعة على حقيقتها، كي لا يعاقب بريء أو يفلت مجرم، ذلك يقتضي ألا تكون مقيدة في أداء وظيفتها بأي قيد لم يرد به نص في القانون، لما كان ذلك، فإن الحكم الجنائي إذا علق قضاءه في الدعوى الجنائية على الفصل نهائيا في موضوع الدعوى المدنية، يكون قد أخطأ في تطبيق القانون().

ـ المسائل العارضة المتعلقة بالأحوال الشخصية:

المسائل العارضة التي تثور أثناء نظر الدعوى الجنائية ولا يختص القاضي الجنائي بحسمها، وإنما يوقف الدعوى إلى حين الفصل فيها من المحكمة المختصة نوعان، النوع الأول: هي على نحو ما ورد بالمادة 222 إجراءات جنائية، أي دعوى جنائية أخرى وفى هذا النوع "يجب" على المحكمة الجنائية وقف الدعوى الجنائية لحين الفصل في الدعوى الجنائية الأخرى، والنوع الثاني: هو مسائل الأحوال الشخصية على نحو ما ورد بالمادة 223 إجراءات جنائية، وفى هذا النوع "يجوز" للقاضي الجنائي وقف الدعوى الجنائية لحين الفصل في مسألة الأحوال الشخصية هذه.
إذن أصبح وقف الدعوى الجنائية طبقا للمادة 223 من قانون الإجراءات الجنائية بعد تعديلها بالقانون رقم 100 لسنة 1962 جوازيا للمحكمة الجنائية، فإذا كان الحكم فيها يتوقف على الفصل في مسألة من مسائل الأحوال الشخصية، فإن المشرع أجاز بمقتضى هذا النص لقاضي الموضوع سلطة تقدير جدية النزاع، وما إذا كان مستوجبا لوقف السير في الدعوى، أو أن الأمر من الوضوح أو عدم الجدية بما لا يقتضي وقف السير في الدعوى الجنائية، واستصدار حكم فيه من المحكمة المختصة، فإذا كانت المحكمة قد انتهت إلى عدم صحة البيانات الواردة في الإعلام الشرعي، فإنها بذلك تكون قد ارتأت ضمنا باستغنائها عن وقف سير الدعوى الجنائية لاستصدار حكم بالوراثة من الجهة المختصة( ).

ـ للمحكمة الجنائية تقدير جدية نزاع الأحوال الشخصية:

إن المادة 223 من قانون الإجراءات الجنائية فيما نصت عليه من أنه إذا كان الحكم في الدعوى الجنائية يتوقف على الفصل في مسألة من مسائل الأحوال الشخصية، يجب على المحكمة الجنائية أن توقف الدعوى وتحدد للمتهم أو المدعي بالحقوق المدنية أو المجني عليه على حسب الأحوال أجلا لرفع المسألة المذكورة إلى الجهة ذات الاختصاص هذه المادة لم تزد على أن رددت القاعدة العامة المقررة في المادة 17 من القانون رقم 147 لسنة 1949 الخاص بنظام القضاء دون أن تقيد حق المحكمة في تقديرها لجدية النزاع، وما إذا كان يستوجب وقف الدعوى أو أن الأمر من الوضوح أو عدم الجدية بما لا لزوم معه لوقفها واستصدار حكم فيه من الجهة المختصة، وإذن فمتى كان الحكم المطعون فيه، قد رأى أن يمضي في نظر دعوى الزنا مقررا للاعتبارات السائغة التي أوردها، أن الطلاق رجعي لا يسقط حق الزوج في طلب محاكمة الزوجة وشريكها، وكانت عبارة الزوج كما هي واردة في محضر التحقيق الذي أمرت هذه المحكمة بضمه لمراقبة تقدير المحكمة لها لا تفيد أن الطلاق بائن، ولم يدلل الطاعن بأي سند على هذه البينونة، فإن ما ينعاه الطاعن على الحكم من أنه إذ تصدى للفصل في مسألة الطلاق قد خالف القانون لا يكون له أساس( ).

ـ أحوال الوقف الوجوبي:

ـ إذا كانت المسألة معروضة على قضاء الأحوال الشخصية:
وفى هذه الحالة يجب على القاضي الجنائي وقف الدعوى الجنائية لحين الفصل في منازعة الأحوال الشخصية في المسألة المعروضة عليها ويكون للحكم الصادر من المحكمة الأخيرة حجية أمام القاضي الجنائي عملا بالمادة 458 من قانون الإجراءات الجنائية. والوقف هنا وجوبي تعمله المحكمة من تلقاء نفسها حتى لو لم يطلبه الخصوم.
ـ إذا لم تكن المسألة العارضة مرفوعة أمام قضاء الأحوال الشخصية:
وفى هذه الحالة، فإن الوقف وجوبي أيضا، وعلى القاضي الجنائي أن يوقف الدعوى، ويحدد للمتهم أو المدعى بالحقوق المدنية أو المجني عليه أجلا لرفع المسألة العارضة إلى محكمة الأحوال الشخصية المختصة والحكم الذي يصدر من محكمة الأحوال الشخصية يكون له حجية أمام القاضي الجنائي.
ويشترط لحصول هذا الوقف أولا أن يدفع صاحب المصلحة بضرورة الفصل في تلك المسألة الأولية المتعلقة بالأحوال الشخصية وثانيا أن تكون المسألة العارضة تحتاج إلى الفصل فيها من قضاء الأحوال الشخصية، ومن ثم فإذا كانت واضحة للقاضي الجنائي، فله أن يلتفت عن الدفع، وفى ذلك قالت محكمة النقض إن الشريعة الإسلامية وسائر قوانين الأحوال الشخصية، تعتبر من القوانين الواجب على المحاكم تطبيقها في مسائل الأحوال الشخصية التي تعرض لها، ولا يكون فيها ما يستدعي أن توقف الدعوى حتى تفصل فيها جهة الأحوال الشخصية المختصة أصلا بنظرها، وفي هذه الحالة يكون على المحكمة أن تتثبت من النص الواجب تطبيقه في الدعوى وأن تطبقه على وجهه الصحيح، كما تفعل جهة الأحوال الشخصية وقضاؤها في ذلك يكون خاضعا لرقابة محكمة النقض، وأنه لما كان ثبوت إسلام الشخص أو عدم إسلامه هو من مسائل الأحوال الشخصية، ولما كان الشارع قد قرر في لائحة ترتيب المحاكم الشرعية الصادر بها المرسوم بقانون رقم 78 لسنة 1931 أن الأحكام الشرعية تصدر طبقا لما هو مدون بها ولأرجح الأقوال من مذهب أبي حنيفة وللقواعد الخاصة التي يصدر بها قانون، فإن المحكمة إذا ما عرضت لها مسألة من ذلك، يكون عليها أن تأخذ فيها بالقاعدة الشرعية الواردة على واقعتها حسبما جاء باللائحة المذكورة، ولما كان أمر الدخول في الإسلام وثبوت الحكم به، لم تعرض له لائحة ترتيب المحاكم الشرعية ولم يصدر قانون في خصوصه، فإن القانون الواجب تطبيقه في الدعوى يكون هو أرجح الأقوال من مذهب أبي حنيفة( ) ولما كان المستفاد من كتب الحنفية أن أرجح الأقوال في إسلام أهل الكتاب أنه لا يحكم بإسلامهم بالنطق بالشهادتين لا غير، بل لا بد مع ذلك من النطق بالتبري من كل دين يخالف دين الإسلام، وأن هذا التبري شرط لإجراء أحكام الإسلام عليهم، لا لثبوت الإيمان فيما بينهم وبين الله، ولما كان ذلك هو الجاري عليه العمل في المحاكم الشرعية في ضبط الإشهاد بالإسلام، فإنه إذا كان الثابت بالحكم أن المتهم لم ينطق أمام المأذون إلا بالشهادتين لا غير فاعتبره الحكم غير مسلم ،وبالتالي اعتبره كاذبا فيما قرره للمأذون من عدم وجود مانع شرعي من زواجه بالمسلمة التي كان زواجها موضوع العقد، وفيما قرره أيضا من أن اسمه هو الاسم الذي تسمى به حالة كونه مسيحيا، مما يكون جريمة الاشتراك بطريق المساعدة مع موظف عمومي حسن النية هو المأذون في ارتكاب تزوير في وثيقة عقد زواج، وبناء على ذلك عاقبه بالمواد 211 و212 و213 و40 و41 من قانون العقوبات فهذا الحكم لا يكون قد أخطأ( ) وثالثا أن يرى القاضي الجنائي أن الفصل في المسألة الأولية هذه ضروريا للحكم في الدعوى الجنائية، فإذا كان الحكم في الدعوى الجنائية يتوقف على الفصل في مسألة من مسائل الأحوال الشخصية يجب على المحكمة الجنائية أن توقف الدعوى وتحدد للمتهم أو المدعي بالحقوق المدنية أو المجني عليه على حسب الأحوال أجلا لرفع المسألة المذكورة إلى الجهة ذات الاختصاص، هذه المادة لم تزد على أن رددت القاعدة العامة المقررة في المادة 17 من القانون رقم 147 لسنة 1949 الخاص بنظام القضاء دون أن تقيد حق المحكمة في تقديرها لجدية النزاع، وما إذا كان يستوجب وقف الدعوى، أو أن الأمر من الوضوح أو عدم الجدية بما لا لزوم معه لوقفها واستصدار حكم فيه من الجهة المختصة، وإذن فمتى كان الحكم المطعون فيه قد رأى أن يمضي في نظر دعوى الزنا مقررا للاعتبارات السائغة التي أوردها أن الطلاق رجعي لا يسقط حق الزوج في طلب محاكمة الزوجة وشريكها، وكانت عبارة الزوج كما هي واردة في محضر التحقيق الذي أمرت هذه المحكمة بضمه لمراقبة تقدير المحكمة لها لا تفيد أن الطلاق بائن ولم يدل الطاعن بأي سند على هذه البينونة ويكون النعي على الحكم بأنه إذ تصدى للفصل في مسألة الطلاق قد خالف القانون لا يكون له أساس( ).

ـ متى يختص القاضي الجنائي بالفصل في المسألة العارضة المتعلقة بالأحوال الشخصية:

ـ يشترط لهذا الاختصاص ما يلي:
أولا ـ ألا تكون المسألة العارضة المتعلقة بالأحوال الشخصية منظورة أما قضاء الأحوال الشخصية وإلا وجب عليه وقف الدعوى لحين الفصل فيها وإلا كان حكمه باطلا لتعلق ذلك بالنظام العام.
ثانيا ـ إذا لم تكن المسألة العارضة معروضة على قضاء الأحوال الشخصية، يشترط ألا يكون هناك دفع من أصحاب المصلحة بضرورة الفصل فيها، فإذا لم يتم الدفع بذلك جاز للقاضي الجنائي الفصل في هذه المسألة العارضة.
ثالثا ـ إذا حدد القاضى الجنائي أجلا لرفع المسألة العارضة أمام قضاء الأحوال الشخصية وانقضى الأجل دون رفعها.
رابعا ـ إذا رأى القاضي الجنائي أن الدفع بالتمسك بالمسألة العرضة غير جدى، فإذا كان الحكم قد رأى أن يمضي في نظر دعوى الزنا مقررا للاعتبارات السائغة التي أوردها أن الطلاق رجعي لا يسقط حق الزوج في طلب محاكمة الزوجة وشريكها وكانت عبارة الزوج كما هي واردة في محضر التحقيق الذي أمرت هذه المحكمة بضمه لمراقبة تقدير المحكمة لها لا تفيد أن الطلاق بائن، ولم يدل المتهم بأي سند على هذه البينونة ومن ثم فإن الطعن على الحكم بأنه إذ تصدى للفصل في مسألة الطلاق قد خالف القانون لا يكون له أساس( ).

ـ أحكام الدفوع المتعلقة بالمسائل الأولية( ):

1ـ يلتزم القاضي الجنائي بالفصل فى جميع المسائل الأولية التي تثور أثناء نظر الدعوى الجنائية إذ لا يجوز له أن يتخلى باختياره عن اختصاص قرره القانون له.
2ـ للمسألة الأولية صفة عارضة، فهي ليست موضوع مناقشة أصلية أمام المحكمة الجنائية، وإنما تثور عرضا لاستطاعة الفصل في موضوع الدعوى الجنائية، ونتيجة لذلك، فإن فصل المحكمة الجنائية فيها لا يحوز حجية لدى القضاء المختص بها أصلا، فيما عدا النطاق الذي حددته المادة 456 من قانون الإجراءات الجنائية التي قررت للحكم الجنائي بشروط معينة حجية لدى القضاء المدني.
3ـ قواعد الإثبات التي تخضع لها الدفوع المتعلقة بالمسائل الأولية لها طبيعة غير جنائية، ويغلب أن تكون مدنية ومعلوم أن قواعد الإثبات المدنية تختلف اختلافا أساسيا عن قواعد الإثبات الجنائية، فالأولى قانونية والثانية إقناعية، فهل يخضع إثبات المسألة الأولية لقواعد الإثبات المدنية بالنظر إلى طبيعتها الذاتية.
أجابت على ذلك المادة 225 من قانون الإجراءات الجنائية في قولها "تتبع أمام المحاكم الجنائية في المسائل غير الجنائية التي تفصل فيها تبعا للدعوى الجنائية طرق الإثبات المقررة فى القانون الخاص بتلك المسائل" وينبني على ذلك أنه إذا ثار النزاع حول وجود الأمانة في اتهام بجريمة خيانة الأمانة، فلا يقبل إثبات هذا العقد إلا بالدليل الكتابي أو ما يعادله قيمة، إذا جاوزت قيمة العقد عشرين جنيها، وإذا ثار نزاع في اتهام بجريمة غصب عقار حول ملكية هذا العقار، فلا يقبل إثبات هذه الملكية إلا بعقد ناقل للملكية بإشهاره وفقا للقانون.

- أدلة الإثبات:

- للمحكمة الجنائية الاستناد إلى الأدلة التي أخذ بها حكم مدني في الفرز والتجنيب مثلا، أو بما انتهى إليه الخبير في تلك الدعوى من الأنصبة ومن أن أحد الورثة هو الحائز للتركة أو أنه أقر بامتناعه أمامه بالتسليم.
- ولها أن تأخذ بأقوال الشهود في الدعوى المدنية. أو شهود المدعي المدني في الدعوى الجنائية، وكذلك القرائن، وأن تندب خبيرا. وأن تحيل الدعوى للتحقيق. وكل ذلك أخذا بمبدأ حرية القاضي الجنائي في الإثبات (المادة 291 إجراءات جنائية).

- المستشار / بهاء المري.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى