د. سيد شعبان - في الحافلة!

أخذت تلوك حكايات ليس بينها رابط، في سلتي حزمة نعناع ذو عطر أخاذ، بعض غرس الطيب رحمة الله عليه، على كل حال انشغلت بالاستماع إلى ركاب الحافلة، هذا عاود طبيه وأخرى تخفى جمالا تكاد تشي به عيناها، ثمة تعبيد للطريق، يقال إن رجلا كبيرا سيمر من هنا، يخيم صمت يقطعه حديث، القطار في جانب الطريق يسير متكاسلا، صافرته بها أنين، يندب حظه. لم يعد يشغل مقاعده غير الذين ضربهم الفلس.
في المقعد الخلفي ثلاثة ينتدرون على أحدهم، يرقبهم السائق في غير ارتياح، كل شيء في الحياة يتحدثون عنه، يفتح أحدهم هاتفه، تدندن فتاة بكلمات مثيرة، يسرح خيالي بعيدا.
تتنهد المرأة، تخبرني بأن الرجال تعاركوا عليها، فهمت أن زمنها قد ولى، تحن لدعابة وتهش لطرفة.
أنظر بعيدا حيث الأشجار تفر هاربة أحس أنها تهرب من حطاب يعمل فيها منشاره، يقال إن نارا اشتعلت في أشجار الكافور العتيقة لذا يتردد صراخها في كل ناحية.
توشك المرأة التي غادرها العمر تلقي إلى بما تشتهي!
تناسيت أيام الصبا، أبيات ومقالات، صار كل هذا من الماضي، تبدو النسوة أكثر تمسكا بالذكريات.
أحاول النوم لكنها تثير لغطا، أنتبه لتأوهها، تخفض صوتها حتى تكاد تهمس في أذني: ورثت عقارا في شارع سعد، لدي نصف كيلو ذهب. أحاول تبين ما يغريني بها، تجاعيد أشبه بخط طفل في بداية امساكه بالقلم الرصاص.
شفتاها ذابلتان بهما صفرة الموت، يندب أحد الثلاثة حظه، ينفر شعر صدره أشبه بفراء خروف العيد، تحول وجهتها إليه، يعلو صوت سائق الحافلة، للطريق سلوكيات ياعالم!
تمتعض وتكاد تقتحم عليه مقعد القيادة.
تخبره بأنه لم يفلح حتى في قيادة السيارة.
تتشاجر معها امرأة أخرى، تزيح من غطاء رأسها فترينا خصلات شعر صفراء، تلألأ في فمها حبات من در؛ تتوقف عيني، تتقافز في صدرها حبتا رمان صحراوي مما يحف منزلنا الحجري.
يسب جاري الذهب وسنينه، أبتسم في سخرية، يشتعل وجه المرأة التي غادرها زمن الصبا نارا!

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى