مراد وريد - شخصيات للبيع...

دائما ما أكلم نفسي وأسألها، ما الذي لا يعجبك بشخصيتي، فتجبني مستهزئة، لا شيء فيك يعجبني، طيبتك لا تعجبني، تساهلك مع الناس لا يعجبني، ضميرك الذي يؤنبني ويقض مضجعي لا يعجبني، صراحة سئمت منك ومن شعورك النبيل، ولو أني استطعت لاستبدلتك، كن غيرك يا هذا وحاول أن تتغير، فالناس كلهم يتغيرون.

وبينما أنا جالس ذات يوم، أحصي نواقصي، تسللت إلي الشكوك ذاتها، واعتراني شعور رهيب بالنقص، فدعاني أن أفكر مجددا بكلامها، فقلت في قرارة نفسي: لما لا أحاول أن أتغير كما شاءت نفسي أن أتغير، فلن أخسر شيئا لو جربت.

وفعلا نزلت إلى السوق كي أبتاع شخصية جديدة ألبسها بدل القديمة، وأرضي بها نفسي على حساب نفسي، وبينما أنا أتجول عبر الأروقة، من رواق لرواق ومن متجر لمتجر، وقعت عيناي على لافتة كتب عليها "تخفيض خمسون بالمائة على كل الشخصيات التي تباع هنا" فانتابني الفضول، ثم دلفت مسرعا، لألقي نظرة على الشخصيات المعروضة للبيع، علني أجد بينها شخصية تناسبني، وتلقى استحسان هذه النفس الأمارة بالتغيير.

وعندما دخلت المتجر، وجدت حشدا من الناس يتدافعون، حتى كادوا يقتلون بعضهم بعضا، لولا أن تدخل المشرف على الرواق، وهدأ من روعهم، فهالني ما رأيت، وقلت في نفسي، لم يا ترى هم متجمهرون، وعلى ماذا يتدافعون، لم أستطع كبح رغبتي في اكتشاف سبب هذا الزحام، فاتجهت نحوهم أتحسس الأمر، وعندما اقتربت من الرواق، حيث كانت تعرض الشخصيات، وجدت واجهة زجاجية، علقت داخلها الشخصيات المراد بيعها، والتي جرى عليها التخفيض، وهم كالتالي، شخصية منافق، شخصية كذاب مراوغ ، شخصية انتهازي، والكثير من الشخصيات، التي احترت صراحة في ما بينها، وبينما أنا أتجول بعيني بين الشخصيات، استوقفتني شخصية فريدة كانت منزوية باخر الرواق، والأغرب ألا زحام عليها، فتوجهت نحوها استقرئ ثمنها، فاذا بها معروضة بثمنها الحقيقي، ولم يجر عليها أي تخفيض، كما جرى على نظيراتها، عجبت لهذا الأمر، فناديت على المكلف بالرواق، ثم قلت له لم هذه الشخصية لاتزال بثمنها، ومكتوب بالخارج أن التخفيض يعم كل الشخصيات.

فرد علي قائلا: انها شخصية نادرة يا سيدي، لا يوجد الكثير منها في الأسواق، فقط نسبة قليلة ونحن نملك هذه فقط، ولهذا السبب هي معروضة بثمنها، ويمكن لثمنها أن يتضاعف في القادم من الأيام.

ابرقت عيناي عندما سمعت منه هذا الكلام، وسال لعابي اعجابا بها وقلت لنفسي، أظنني وجدت الشخصية التي تستهويني وأطيب بها نفسا، ثم سألته مرة أخرى أن يطلعني على خصائصها، وأخبرته بأنني سأقتنيها لو أعجبتني خصائصها ومميزاتها.

قال: على الرحب والسعة، ثم بدأ يسرد على مسامعي مميزاتها ...

هي شخصية متزنة، تكسبك عزة النفس، واحترام الآخرين وتقديرهم، متسامحة معطاء، تحب الخير للجميع، تؤمن بأن الصداقة شيء مقدس، وبأن الحب مخلوق يأكل ويشرب ويتنفس، هي شخصية لا يشوبها نفاق أو خداع، مسلمة لا شية فيها، ثم سكت عن الكلام وانصرف.

أطرقت للحظة، بعدما انصرف عني المكلف، الى مشتر آخر ولم أحرك ساكنا، فقد أخذني السرحان، بعدما تيمت حد الغرام بمميزات هذه الشخصية، إلى عالم آخر غير العالم الذي أعرفه، إلا أني في خضم هذا السيل العارم من الدهشة والإعجاب، أدركت كم التشابه الذي يجمعني وهذه الشخصية النادرة، يا الله كم أنها تشبهني، وتشبه شخصيتي التي كنت أنوي استبدالها، ومن شدة حماقتي، أردت التخلي عنها بسهولة، ومقابل ماذا؟ مقابل شخصية، تكررت في الناس على مدى السنين والعصور، ثم نكصت على عقبي، بعدما أدركت أني كنت مخطئا، بحكمي على شخصيتي، والأجدر أن أحبها وأؤمن بها، وألا أترك الفرصة للوهن، أن يتسلل الى أنسجتي، ويبطئ معنوياتي، ثم أدرت وجهي جهة الباب مبتسما، وغادرت المحل.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى