أمل الكردفاني- شنقاً حتى الموت.. قصة قصيرة

من المفترض أن أكتب هذه القصة وأنهها خلال عشر دقائق. لأحاول بعدها البحث دون جدوى عن بضع ساعات من النوم قبل أن يوقظوني ليلفوا حبل المشنقة حول عنقي. أخبروني اليوم عن تنفيذ الحكم في الساعة الخامسة فجراً. إنها مواعيد مختارة بعناية لتثير في نفس المحكوم عليهم الرعب، وكأنما لا يكفيهم أشهر من ألم انتظار إبرام الحكم. بيد أنني لم أكُ مرتعباً، بل ينتابني قلق فظيع يقض مضطعي، ولا أدري سره.
في الخامسة فجراً -وبعد كوابيس مزعجة- أيقظوني وأخرجوني من غرفة انتظار المحكومين بالإعدام، وهي غرفة مظلمة ورطبة، وبلا رائحة تقريباً. تم وزن ثقلي، وأخذوا عينات من دمي، قصوا شعري، وفي السادسة والنصف التقيت بشقيقي الذي كان يبكي.
قال من بين دموعي:
- لقد حصلت روايتك على الجائزة الكبرى.. هل تصدق هذا؟..
كنت أنظر إلى شعره الناعم كما لو كان مبتلاً.. وأرى وجهه يتشكل على وجه أمي وأبي وأختي ثم يعود إلى شكله الأصلي.
- تلقينا اتصالاً من إدارة المسابقة الدولية..
قلت:
- هل هم في الخارج؟
أومأ براسه..
- لماذا تركتهم يأتون؟
كان جفناه محمرين، ثم مسح مخاط أنفه بكم قميصه واتبعه بمسح عينيه:
- وهل أستطيع منعهم..
أجابني فنظرتُ إلى البعيد..
- ربما لو نلتُ هذه الجائزة لكان قدري قد تغير.. أما الآن ..
همس:
- الأشياء الجيدة تأتي بعد فوات الأوان..
قلت:
- اخبرهم بأنني أوصيت برفض الجائزة.. واحرق كل أوراقي التي كتبتها.. لا أريد أن تكون لي صلة بهذا العالم.. صوري أيضاً احرقها.. احرق حتى ملابسي.. لا تجعل لي بقايا ذكرى في هذا العالم البئيس.. هذه وصيتي الأخيرة..
صاح وهو يبكي:
- المسألة ليست بهذه البساطة.. لقد أصبحت جرحاً في القلب يا أخي..جرحاً لا يندمل.. ولن يندمل..
ولم يمهله الشرطي الوقت الكافي لاحتضاني.. بل انتزعني من أمامه وغادرنا.. كنت متأكداً بأنه في هذا اليوم بالذات سيمتلئ بريدي الالكتروني بالاخبار المفرحة.. قبولي في وظيفة محترمة.. فوزي باليانصيب.. طباعة روايتي.. رسالة حب من امرأة اكتشفت حبها لي يوم أمس فقط..
ومن داخل دائرة انشوطة الحبل، رأيته يفغر فاهه ذا الأنياب ويضحك مقهقهاً بتشفٍ وحقد. فقهقت بدوري..
كان الجلاد ينظر نحوي برعب.. وقال لمدير السجن:
- يبدو أنه قد فقد عقله..
فقال المدير:
- يريد أن يفلت من الإعدام بادعاء الجنون في آخر لحظة لنوقف التنفيذ.. اعدمه بسرعة فهو خطير..
وتداعى كل الماضي ثم انسحب تاركاً مكانه لظلام دامس..
لقد انهيت القصة في خمس عشر دقيقة.. لا بأس.
(تمت)

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى